يندر في هذه الأيام أن تجد من لا يعرف آفة التشوهات الخلقية للقلب والموضوع لا يعود إلى مستوى ثقافة معين أو خلفية علمية بعينها إذ أن الأمر بلغ أطراف المجتمعات البشرية لما يحدثه من هزة صحية ونفسية وفكرية واجتماعية تمتد إلى مدى بعيد يتداخل في أحيان كثيرة مع معاناة مجاورة لمصاب آخر ونحن في المملكة لسنا باستثناء، فمن منا لا يعرف موضوع الفتحات القلبية والانسدادات الشريانية وضمور بطينات القلب الذي يشخص عند الولادة ويمثل بداية الزلزال المؤلم الذي يصيب أكثر ما يصيب البؤرة المتمثلة في الوالدين والأسرة القريبة ولكنه يمتد إلى خارج دائرة الأسرة والقبيلة ليمثل حدثا هاما يصيب واحدا لكل مائة مولود حي وهو رقم مخيف يعني الكثير لمن يخطط للشأن الصحي للأمم والمجتمعات البشرية، وبالرغم من تشابه أنواع هذه الأمراض إلا أننا في المملكة والجزيرة العربية نتميز بعلو كعب تعقيد هذه الأمراض الذي يبهر الأطباء الزائرين لنا من أمريكا وأوروبا، والأمر جلل، والحكمة والعقل يستدعيان الوقوف، وقفة وطن متكامل للنظر بعين فاحصة لتشوهات القلب الخلقية التي نستقبل كل سنة فيها ما يقارب 7500 حالة جديدة يستدعي -على أقل تقدير- ثلثها التدخل المبضعي من قسطرة أو جراحة، والأمر الذي يؤلمني المرجو من القيادات الصحية في المملكة بعد العلم بهذا الجهد العلمي السعودي العالمي أن تبادر في دعم الخطوات المستقبلية لمعرفة الأسباب المباشرة لاحداث تشوهات القلب الخلقية والنظر بتجرد للنتاج العلمي الضخم لهذا المشروع الذي امتد لأكثر من ست سنوات في عمل حقلي واسع يجب أن يعطى وزنه مقارنةً ببرامج التسجيل الموجودة في بعض المستشفيات والمراكز شخصياً كما يؤلم كثيرا من الزملاء في المملكة والعالم هو سوء التخطيط في التعامل مع هذه المشكلة التي تفتك ببني البشر المصابين منذ لحظاتهم الأولى على هذه الدنيا وما أعنيه في هذا الأمر هو قصور التركيز على إيجاد الحلول المثلى لهذه التشوهات القلبية والإهمال شبه التام للجذور الحقيقية لهذه الشجرة الخبيثة التي ثمارها هذه التشوهات وبصورة أدق أرمي إلى عوامل الخطر الجينية والبيئية التي تساهم في خروج قلب معتل وقصور عملية التدخل الطبية على التعامل مع المرض بعينه، والحقيقة التي نعلنها للعالم أجمع في هذا المجال أن عملية تكون التشوه الخلقي للقلب تبدأ مبكراً قبل الحمل وأن البحث العلمي لاستقصاء عوامل الخطر وإزالتها أو التدخل لإحباطها لإحباط عملية التشوه الخلقي للقلب والتي ينظر لها المجتمع الطبي العالمي هذه الأيام على أنها حلم مستحيل، هي عملية نراها قابلة للتدخل والعلاج والتلويح بمثل هذا الأمل الذي يمس قلوب بني البشر جميعاً من آباء وأمهات وأُسر ومجتمع بأكمله في سائر بلاد الأرض هو حقيقة نكاد نتمكن منها ومما يجعل الأمل يدب في القلوب دباً هو أن أنقل لقارئي الكريم أن هذا الحلم قد بُدئ بتحقيقه في تضافر جهود علمية عالمية لعل من أهمها هو مشروع بالتيمور- واشنطن وامتداده الأقوى والأكبر والادق تشخيصا وهو مشروع أمراض القلب الخلقية في المملكة والذي تم من خلاله جمع كم ضخم جداً من المعلومات التي تخص الأنواع المختلفة لتشوهات القلب الخلقية بلغ الثلاثة ملايين ونيف معلومة إحصائية لا شرقية ولا غربية بل سعودية عالمية، لا نملك إلا أن نقدمها للعالم أجمع وبل للأجيال القادمة كبنك في غاية الثراء للمعالجة الإحصائية والاستقصاء الذي قادنا وسيقودنا إلى فك أسرار عملية التشوه الخلقي في بني البشر، والمرجو من القيادات الصحية في المملكة بعد العلم بهذا الجهد العلمي السعودي العالمي أن تبادر في دعم الخطوات المستقبلية لمعرفة الأسباب المباشرة لاحداث تشوهات القلب الخلقية والنظر بتجرد للنتاج العلمي الضخم لهذا المشروع الذي امتد لأكثر من ست سنوات في عمل حقلي واسع يجب أن يعطى وزنه مقارنةً ببرامج التسجيل الموجودة في بعض المستشفيات والمراكز، وما يمثله هذا العمل الحقلي من ثقل علمي حقيقي يتجاوز عثرات التدوين المحلي للمستشفيات ويمثل قرباً حقيقياً لمعرفة حقائق أسرار الخلق التي تبقى علما مطلقا هو بيد المولى عز وجل الذي آتانا من العلم قليلاً لنسبر أغوار أسرار التشوه الخلقي للبشر والذي أصبحنا في المملكة مرجعية علمية عالمية فيه أرجو أن لا تكون قيد أدراجنا وأن تفعل تفعيلاً يليق بالحدث، أما النظر للأمور بسطحية محزنة أو شخصنة ضيقة فهو أمر اعتدناه ونرجو له زوالا قريبا.