السفر يقهر التحيز والتعصب وضيق الأفق مارك توين. يشدني الانسان الحيوي الذي يعيش شغفه بالحياة بطريقة احتفالية, تجذبني هذه النوعية من البشر لأنها تشبهني بطريقة احتفائها واستقبالها للحياة كل يوم, فيصبح كل شيء مهيأ للفرح, وكل عناصر الوجود ترقص, لدي شغف كبير للمغامرة, ولدي استعداد لأدفع أي شيء مقابل خوض مغامرة مثيرة, فلا أستطيع التوقف عن ممارسة الحياة بأقل من هذا الشغف, فالحياة مليئة بالأشياء الجميلة ومن السهل تخيلها والوقوع في غرامها, ولكنها مخاطرة, أليست المخاطرة هي عندما نجرب شيئا جديدا..! ولعل أكثر المثيرات بالنسبة لي هو السفر, الذي يقول عنه صموئيل جونسون (نسافر لنضبط الخيال بالحقيقة، وبدلاً من تخيل الأشياء نراها بالفعل كما هي). والسفر هو أحد المغامرات التي ممكن ان يخوضها الانسان, وبالنسبة لي فقد ارتبط السفر بركوب الطائرات, فلها ادمان متناه في الدقة, قد ينتابك احساس اختراق شيء ممنوع, او الوصول الى ما وراء الافق, تصبح بين عالمين, وباختيار شخصي لم يجبرك عليه احد, قد يكون وضعا غير مريح ولكنه محفز على التفكير, احيانا نكون بحاجة الى اللاتوازن, وفي حاجة الى أن نتبعثر من الداخل لنعيد تشكيل انفسنا وقناعاتنا من جديد, فنحن بحاجة للتجربة وتذوقها ايضا, فعندما تكون محشورا داخل الطائرة أنظر الى الاسفل, ومشهد الأرض وهي تتحرك ببطء, هذا المنظر البانورامي الخلاب لا تجده إلا وأنت محلّق في الطائرة, شيء بديع أن يسير الزمن ببطء وتنظر للأسفل وهو يتوارى عن ناظريك بحركة سينمائية بطيئة, هي لحظات خلود, ولحظات دهشة. فداخل كل انسان يوجد رغبة في الانفصال عن الارض وتذوق حياة العصافير المحلّقة نحو الافق, تُقلِعُ الطائرة فننفصل عن كل شيء, وعندما تلتفت ناحية نافذة الطائرة تصبح الغيمة جارتك, والقمر يخيل اليك انه سيصافحك, فتشعر أن هناك تحالفا خفيا واعيا أو غير واع لاستغلال مشاعرك بشكل فوضوي جذاب وايجابي, نكون كالسر الذي تبوح به الارض للسماء, فعندما تكون وحيدا بلا افراح او احزان يأتي التحليق عاليا ليعطي للفرح لونا وللحزن مذاقا, وللبحث والاكتشاف والتأمل روحا, وهدير الطائرة له معنى في أذني وكأنه يحدثني عن قصة الطائرة وبطلها أنا (كابتن الطائرة) وفي قمرة القيادة أنطلق مع أحلامي نحو محطة ما, متجردة من كل شيء مُكرهة عليه, ارتبطت الطائرة بالاحلام ففي طفولتي كانت احلامي لا تبدأ خربشاتها الا عندما أرى طائرة محلقة راسمىة خلفها خطا يبقى في السماء, وهذا الارتباط ربما نبع من رغبة داخلية لأن تكون لنا رؤية أوسع تنظر بعيدا ولا ترتبط بالتفاصيل, ايضا يكون لنا احكام خاصة بنا ورؤية اشياء غير متداولة, واتفق مع رولف بوتس حينما قال: (يمنحك السفر فرصة تجربة الأشياء الدقيقة في العالم بطريقة لن تقدمها لك وسائل الإعلام). فنحن بحاجة للتجربة وتذوقها ايضا, فعندما تكون محشورا داخل الطائرة أنظر الى الاسفل, ومشهد الأرض وهي تتحرك ببطء, هذا المنظر البانورامي الخلاب لا تجده إلا وأنت محلّق في الطائرة, شيء بديع أن يسير الزمن ببطء وتنظر للأسفل وهو يتوارى عن ناظريك بحركة سينمائية بطيئة, هي لحظات خلود, ولحظات دهشة, ولحظات شرب من كأس الأمل, نحن بحاجة الى قدر كبير من الحلم والانعتاق والنظر من شرفتنا الضيقة في الحياة الى مدى اوسع, وسماوات أخرى, وحياة جديدة, وحقائق مختلفة, وكأن كل شيء يبدأ من جديد, ثم نعود إلى الارض وقد توصلنا الى قناعات مختلفة, ورؤية مختلفة, ربما الكتابة والطيران بالنسبة لي شيء واحد أحلق من خلاله, او ربما هما وجه آخر للواقع. [email protected]