لا شيء يبهر العربي خاصةً، كجمال الطبيعة الخلّاب، واجتماع الخضرة مع الماء، والنسيم العليل مع رذاذ المطر، وتمايل أغصان الأشجار بدلال، تغرد فوقها أنواع الطيور جذلى، وتسمع تحتها خرير الماء محبوراً يَهَبُ التموّج والنماء، وتنعكس على صفحته ألوان ساحرة من خضرة الشجر، الى بياض السحاب المتقطع، الى زرقة السماء، تنفذ من خلال ذلك خيوط خجول من شمس حانية، شمس الربيع.. أو شمس الشتاء الخجول. البَرّ زان وزان وقت المظاهير.. وعزّي لمن هو قاعدٍ ما مشا به أقبل الصبح جميلاً يملأ الأفق بهاه .. فتمطى الزهر والطير وأمواج المياه إن روعة المناظر الطبيعية تجعل الإنسان يسبح باسم المبدع العظيم، فاطر السموات والأرض، وخالق الألوان والإنسان والجمال. لا غرابة أن يفتن العربي خاصة بسحر الطبيعة، ومباهجها الجميلة، حين تتجلى كأحلى ما يكون، وتظهر وتخفي من مفاتنها مايسحر العيون، لأن العربي لا يشاهد تلك المناظر الطبيعية الرائعة كثيراً، فالصحراء جرداء، بخيلة بالخضرة والماء، شحيحة بالجو العليل إلى حدّ القسوة. غير انها - الصحراء - متطرفة، فإذا جادها الغيث وكساها العشب وفاحت روائح الأزهار وصاحت دهشة الطيور، تصبح على النقيض، فاتنة، جميلة، ساحرة، تبهر الناظرين. لأبي الطيب المتنبي هذا الوصف الرائع والمشهور: مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغَاني بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ مَلاعِبُ جِنّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بتَرْجُمَانِ طَبَتْ فُرْسَانَنَا وَالخَيلَ حتى خَشِيتُ وَإنْ كَرُمنَ من الحِرَانِ غَدَوْنَا تَنْفُضُ الأغْصَانُ فيهَا على أعْرافِهَا مِثْلَ الجُمَانِ فسِرْتُ وَقَدْ حَجَبنَ الحَرّ عني وَجِئْنَ منَ الضّيَاءِ بمَا كَفَاني وَألْقَى الشّرْقُ مِنْهَا في ثِيَابي دَنَانِيراً تَفِرّ مِنَ البَنَانِ لهَا ثَمَرٌ تُشِيرُ إلَيْكَ مِنْهُ بأشْرِبَةٍ وَقَفْنَ بِلا أوَانِ وَأمْوَاهٌ تَصِلّ بهَا حَصَاهَا صَليلَ الحَلْيِ في أيدي الغَوَاني إذا غَنّى الحَمَامُ الوُرْقُ فيهَا أجَابَتْهُ أغَانيُّ القِيانِ وَمَنْ بالشِّعْبِ أحْوَجُ مِنْ حَمامٍ إذا غَنّى وَنَاحَ إلى البَيَانِ وَقَدْ يَتَقَارَبُ الوَصْفانِ جِدّاً وَمَوْصُوفَاهُمَا مُتَبَاعِدانِ يَقُولُ بشِعْبِ بَوّانٍ حِصَاني: أعَنْ هَذا يُسَارُ إلى الطّعَانِ ولأبي القاسم الشابي يصف جمال الطبيعة كما يراها الرعاة: أقبل الصبح يغني للحياة الناعسة والربى تحلم في ظل الغصون المائسة والصّبا ترقص اوراق الزهوراليابسة وتهادى النور في تلك الفجاج الدامسة أقبل الصبح جميلا يملأ الأفق بهاه فتمطى الزهر والطير، وامواج المياه قد أفاق العالم الحي، وغنى للحياه فأفيقي ياخرافي، وهلمي يا شياه واتبعيني يا شياهي، بين أسراب الطيور املئي الوادي ثغاء، ومراحا وحبور واسمعي همس السواقي، وانشقي عطر الزهور وانظري الوادي، يغشيه الضباب المستنير وامرحي ما شئت في الوديان، أو فوق التلال واربضي في ظلها الوارف، إن خفت الكلال وامضغي الاعشاب، والأفكار في صمت الظلال واسمعي الريح تغني، في شماريخ الجبال وللشاعر الشعبي عقاب السهلي في وصف طبيعة نجد اذا كسا ارضها العشب وزها في جوها النسيم وفاحت روائح الخزامى والنفل والريحان والزهور البرية: البَرّ زان.. وزان وقت المظاهير وعزّي لمن هو قاعدٍ ما مشا به ما شاف عشبٍ زايفٍ له دواوير في مربع عشبه يغطي ترابه علّه من الوسمي المبكر شحاتير من مدلهمن ينثر الما سحابه فيه الشقارى والزبيدي مزابير يشرح فؤاد اللي عصيرٍ مشابه ولا شاف سجات النشامى مسايير يدله بهم قلبٍ تزايد عذابه ولا شاف صيد البر واطلاقة الطير لو هو على جول الحبارى ثعابه واشرافت المرقاب صبح وعصير يرتاح بال مولعٍ.. لا رقابه!