أُوتيتُ من وجع الحكيمِ جميعَ أسرار الكآبَة وصبوتُ حتَّى لم يعدْ في الروحِ حسٌّ للصبابَة وتركتُ كلَّ خيانةٍ خلفي تطنُّ كما الذبابَة أنا لا أجيدُ الانتقامَ بغير أسلحةِ الكتابَة الخلاص من عبودية الموروث اللاعقلاني سواءً القَبَليُّ منه أو الاجتماعي أو حتى الديني.. هذا الخلاص في معظمه عبارةٌ عن اجتهاد فرديّ ومسلك ذاتيّ لا يمكن العمل عليه جماعيا لأنه يمثِّل حريةً شخصيةً في المقام الأول، ولكنَّها قد تقود إلى حريةً جماعية. ولا شكَّ أنّ المثقف هو المرشَّح الأوَّل لممارسة مثل هذا الخلاص لأنّ المثقف محكوم دائما بأمرين: أوَّلهما الحلم الذي يمثِّل قاعدة الثقافة، وثانيهما الحفاظ على الاستقلالية الذاتية، وهذا ما يجعل المثقفين في حالة استنفار دائبة ضدّ أيَّة سلطة تحاول أن تحتويهم تحت مظلَّتها، رغم كثرة هذه السلطات. وعندما ينعتق المثقف من قبضة الموروث اللاعقلاني ويتفتَّح على كلّ ما هو جديد، يعيش أوَّل ما يعيش لذَّة الانعتاق..علاقة المثقف بالحلم علاقة جوهرية تطمح دائما للنزول من سماء التجريد إلى أرض التجسيد كي يلبس هذا الحلم شكلا واقعيا ويأخذ له هويَّة، أما علاقة المثقف بالاستقلالية الذاتية فهي التي تمنحه كينونة وجوديَّة على صعيد الحياة وتمكِّنه من بلورة شخصيَّته وتحقيق ذاته. وعندما يحدث ذلك، تكون علاقة المثقف بالسلطة أيًّا كانت علاقةً جدليَّةً قائمةً على الأخذ والردّ، وخاليةً من الوصايا والطاعة الملطقة. وعندما ينعتق المثقف من قبضة الموروث اللاعقلاني ويتفتَّح على كلّ ما هو جديد، يعيش أوَّل ما يعيش لذَّة الانعتاق.. هذه اللذة الجميلة والمتوحشة في آن واحد.. هذه اللذة ذات الضفائر والأظافر.. هذه اللذة التي تتحوَّل إلى سلاح في يد الحاضر للانتقام من التاريخ بواسطة هذا المثقف وذلك عبر الكتابة المضادَّة أو السجال الحادّ الذي يصل إلى حدّ تقويض الجذور واقتلاعها من أصولها. والسبب وراء ذلك هو أن كلّ خلاص في الحياة يحمل نشوة الولادة الثانية التي تحدث بوعي تامّ، ولكن عندما يفيض منسوب هذه النشوة على حجم الاستيعاب قد يقود إلى حالة من حالات التخبُّط والارتضاع من ثدي المتاهة والعبث واللاجدوى لأنَّ الرفض الملطق هو توأم الطاعة العمياء إذ كلاهما يضع صخرة هائلة في المجرى ويقطع الطريق على تدفُّق ذلك النهر الجدليّ الذي يحمل مفردات الحوار البنَّاء بين الضفَّتين. ولعلَّ مقولة الشاعر الداغستاني (رسول حمزاتوف) تختصر علينا فكرة هذه المقالة حيث يقول «إذا أطلقتَ على أسلافك رصاصة، فلا تأمن أن يطلق عليك الأحفاد مدفعية». [email protected]