لماذا ننتقد الآخرين ونعفي أنفسنا من النقد؟ نقد الآخرين لا يكلف شيئاً مادياً، فبوسعك أن تغتال كرامة جارك وتنتقده ورئيسك ومرؤوسيك واخوانك وأصدقائك، فذلك لن يكلفك الكثير خصوصاً في غيابهم، لكن أن تنتقد نفسك فذلك صعب على كثير منا بسبب التكلفة العالية؛ إذ يتطلب الأمر شجاعة أدبية عالية لمواجهة الذات، وما يلفت النظر ولع بعضنا بالنقد من أجل النقد، حتى أصبحت ظاهرة متفشية. كنت أتحدث مع مجموعة من الأصدقاء فأثار أحدهم "السلبية" التي تسود عقول وأذهان بعضنا، بمعنى انه لا يرى في الحياة إلا أكواماً من الكؤوس الفارغة وأشخاصاً قليلي الذمة والحيلة والكياسة! والعقل الناقد هو عقل متقد يركن إلى التحليل والمضاهاة، لكن ما أتحدث عنه يتعلق باحتراف بث الشكوى وانتقاء الأخطاء والنواقص والمثالب، وبالقطع فهذا أمر ممجوج تماماً كمن لا يرى إلا كؤوساً ملأى ولوناً وردياً يصبغ تضاريس الحياة! والتخلص من التطرف المتمثل في الاصطفاف إلى أحد نقيضين : مع أو ضد .. التخلص منه يستوجب عملاً خارقاً ، لكنه ممنهج يرتكز إلى المجتمع أولاً وإلى الأفراد ثانياً. فالمجتمع بحاجة ليس فقط لبث الأمل، بل لربط أفراده بذلك الأمل وانه منهم وإليهم، فمثلاً : قبل إقرار برنامج الابتعاث كان من يرغب في دراسة الهندسة يوجه لقسم الاحصاء غصباً لعدم وجود خيارات أمامه، كان ذلك قتلٌ مبكر للطموح وجلب للاحباط، الآن أمامنا برنامج خادم الحرمين الشريفين، وقد ابتعث عشرات الآلاف لدراسة التخصصات المحببة لأنفسهم في أرقى جامعات العالم، ومع ذلك فقد نجح الاحباط و "السلبية" في التسلل : هؤلاء المبتعثون سيذرعون شوارع البطالة في مدننا وقرانا ذرعاً. أي إحباط أعظم من هذا ؟! إذاً، ربط المجتمع لأفراده بالأمل ليس من خلال مجرد مواعظ، بل من خلال برامج تدب الأمل دباً وتحتضن الشاب احتضاناً وتأخذ بيده للمستقبل ولصنعه وليس فقط انتقاده أو الحديث عنه سلباً أو إيجاباً، والمبادرات الخلاقة والمبتكرة كثيرة لا مجال لذكرها هنا، لكن ما يمكن ذكره أنه ليس بوسعنا ترك شبابنا يبحثون عن العمل وعن الأمل ويجابهون الحياة بقسوتها ومتطلباتها بمفردهم؛ فبمجرد شعور أحدنا بأنه ليس وحيداً سيطمئن وستتلاشى من مجال رؤيته مجاميع الكؤوس الفارغة والشخوص المحبطة. تويتر: @ihsanbuhulaiga