تساؤلات كثيرة خرجت بها من عيادة الطبيب النمساوي الذي تنتمي أصوله إلى بلد الياسمين سورية، هل كان الحديث ما بيني وبينه عبق النوير والياسمين في عيادة يطول فيها اغترابه وتزداد زياراتي لها مؤخراً!؟ هاجر هذا الطبيب قبل أكثر من 30 عاماً لسبب سأذكره لاحقاً ولكن لماذا الترحال والهجرة وانتظار الأمهات على رصيف العودة؟ ولماذا تبدو الهجرة حتمية؟ وهل يعي الراغب بالهجرة بأن الأمر ليس مجرد حقيبة يد وبضع دولارات وتذكرة سفر؟ نقلت تساؤلاتي إلى تويتر بسؤال صغير: «من يهاجر معي؟ ولا تسألوني إلى أين.. وافقوا أولاً ثم اعرفوا ثانياً!» صدمت من سرعة وعدد الردود التي تريد الهجرة وأكثرها من نساء سعوديّات وهذه ليست دعوة لتشجيعهن، ولكنني أستنتج بناءً على سرعة الردود بأن غالبيتها مجرد تفريغ شحنات على الرغم من سفري المتواصل وتشجيعي له لأجل المتعة والمعرفة إلّا أن الهجرة خطٌ أحمر لا أتجاوزه فالدمّام - مدينتي الأولى والأخيرة – تلاحقني أينما ذهبت بحنين وشغف كبيرين، ولن أكون أنانياً مع مهاجر محتمل يبحث عن فرصة ثانية بسبب انعدام الفرصة الأولى في بلده غضب واكتئاب ويأس من اصلاح حقيقي وعند المحَكِّ سيُفكّرن ملياً قبل الإقدام على تجربة المجهول، وهذه بعض الردود التي وصلتني: معك للمريخ، هجرة بلا عودة، في السعودية حتى الأغنياء يفكرون بالهجرة، «خذني معك» لو بتروح وطي، جهّزت شنطتي، ما نظام الهجرة .. قطيّه ولا محفول مكفول؟ هل ستكون الهجرة مع عقولنا أم بعقول أخرى في بلد المهجر؟ ... وغيرها الكثير! من تجربة شخصيّة عشتها طالباً وموظفاً ومنتدباً في أميركا وأوروبا أجد أن المهاجرين العرب من القرون الماضية انخرطوا مع مجتمعاتهم الجديدة بسهولة ويعود ذلك إلى أن غالبيتهم من أتباع الديانة المسيحية، وهذا ما لم يحصل بالنسبة لمن هاجر في العقود الأخيرة الماضية خاصة المسلمين منهم، شيء ما تبدّل في البلاد المستقبلة للهجرة وبالإمكان ملاحظة تزايد الفجوة الاجتماعية والثقافية بين المهاجرين الجدد وأهل البلد! يقول الكاتب والمهاجر البرشلوني باسم النبريص: «إنهم جيش من المنقّبين في الحاويات، يجيئون من أواسط القارة السوداء إلى جنة أوروبا حتى يتكشّف حلمهم عن جهنم الحمراء، معلّقون في الهواء، لا أوراق ولا تأمين صحي، لا يستطيعون العودة إلى أوطانهم لأنّهم لم يجمعوا ديونهم بعدُ! ينامون في الشوارع، شباب في عمر الورد، سيكتهلون سريعاً وربما يموتون، هم موجودون ويُعاملون كالعبيد، هذا هو واقعهم ولبّ حياتهم هنا» و لا أظن بأن كلام الزميل باسم ينطبق على كل المهاجرين ولكن للشاعر الكبير فاروق جويدة هذا الرأي: تمهّل قليلا.. لماذا نهاجر مثل الطيور يطاردنا الخوف عند الممات ويكبر كالحزن في مهدنا لماذا نطارد من كل شيء وننسى الأمان على أرضنا وعلى الرغم من سفري المتواصل وتشجيعي له لأجل المتعة والمعرفة إلا أن الهجرة خط أحمر لا أتجاوزه فالدمّام - مدينتي الأولى والأخيرة – تلاحقني أينما ذهبت بحنين وشغف كبيرين، ولن أكون أنانياً مع مهاجر محتمل يبحث عن فرصة ثانية بسبب انعدام الفرصة الأولى في بلده، فعدد ليس بالقليل من أجدادنا هاجر إلى الهند والشام وأفريقيا وآسيا بحثاً عن فرصهم الثانية! وأختم بإجابة ذكية وصلتني من مغردة كويتية: «أوافق على الهجرة في حال كانت للبحث عن العودة» وهذه بالمناسبة نفس سبب هجرة طبيبي النمساوي السوري الأصل قبل أكثر من 30 عاماً ... وهذا ما يخيف! تويتر: @nabeelalmojil