أمرت إدارة الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور في (1954 ) بحملة ترحيل كبيرة للمهاجرين من المكسيك بطرق غير قانونية، أُطلِقَ عليها اسم ( عملية الظهر الرطب/Operation Wetback)، اسم يستحضر من الذاكرة القريبة عمليتي « عاصفة الصحراء» و « درع الصحراء». الظهر الرطب (wetback) مصطلح تحقيري، أُطلقَ في البداية على المكسيكي المتسلل الى الولاياتالمتحدة سباحةً أو بالخوض عبر نهر (ريو غراند/ي). وقد سُكَّ المصطلح محاكاةً للاسْمَيْنِ المُركبين wet cattle/wet stock ، اللذين يشار بهما الى المواشي المبتلة بسبب خوضها في النهر من ضفة الى أخرى. المثير أن انتقال الرطوبة من الحيوان الى الإنسان أعْقَبَهُ تَعددُ معاني مصطلح «الظهر الرطب»، ثم إتساعُ مكان استخدامه، فكأَنَّهُ قام بعملية عبور للماء (المحيط الأطلسي) ليصل الى اسبانيا حيث أخذ الاسبانيون يُطْلِقُونَهُ على المتسللين الأفارقة عبر البحر المتوسط. وفي اسرائيل وَجَدَ المصطلحُ من يُشِيرُ بِهِ إلى المتسللين الأفارقة أيضا، ويُطْلِقُ العنوانَ «عملية الظهر الرطب الاسرائيلية» على ترحيل المتسللين الافارقة من اسرائيل في العام (2012). فاجأني في هذا الجو المشحون بالذعر والحقد والغضب، تورط ُبعض كُتّابِ الرأي في خلق صورة نمطية مشوهة للاثيوبيين عامةً ، صورة قائمة على التعميم وتأصيل الروح العدائية والاستعداد الإجرامي في (طبيعتهم). كل الأثيوبيين يظهرون عدائيين بالفطرة في هذه الصورة. وكل اثيوبي مجرم في الكمون انتظاراً للحظة المناسبة. موضوع يستحق زيارةً خاصة! أُريدُ باستحضار هذه التجارب الثلاث تأسيس سياق يساعد على فهم ما يجري في الجنوب فهما دقيقا واضحا يمنع من الانحدار إلى مزلق الاستنتاجات والأحكام المتسرعة مثل القول بوجود مؤامرة حوثية أو ايرانية، ما يؤدي الى تزييف الوعي و خلق حالة من العمى عن الأسباب والعوامل الحقيقية إلى أدت إلى وجود الظاهرة. اللافت للنظر في التجارب آنفة الذكر هو إلتقاء الأمريكيين والأسبانيين والاسرائيليين عند احتقار المتسللين بتشبيههم بالحيوان، وعند استبعاد المؤامرة، إذ لم يَدَّعِ الأمريكيون أن المكسيك تتآمر ضدهم، و لم يصدر عن الاسبانيين والاسرائيليين ما يوحي بتوجسهم من مؤامرة خارجية، فالأمر لا يعدو كونه هجرة غير قانونية تحدث لوجود قطبين مختلفين من عوامل الطرد في بلدان الميلاد والنشأة، وعوامل الجذب في البلدان المستهدفة بالهجرة. يساعد على حدوث الأخيرة وجود شبكات للتهريب واستعداد المتسللين أنفسهم للمغامرة والمقامرة بحياتهم كما شهد العالم في حوادث غرق المتسللين من شمال افريقيا، هذا بالإضافة الى وجود المستفيدين والمتسترين عليهم من مواطني الدول الجاذبة. بكلمات أخرى، التسلل هجرة غير قانونية او غير شرعية تحدث في كل مكان وزمان عند توفر العواملِ المُحَفِزَّةِ عليها. وما يحدث في الجنوب لا يختلف تماما عما يحدث في بلدان أخرى. الجنوب جزء من بلاد تتوافر فيها عوامل الجذب، مقابل اثيوبيا بما تحتويه من عوامل طرد متعددة. يساعد على ذلك وجود سواحل وحدود مَسَامِيَّةٍ طويلة وصعبة المراقبة، تراخي بعض العناصر الأمنية، وجود شبكات تهريب ومتسترين مستفيدين ومستهلكين لخدمات المتسللين. لن ينجحَ، ولن يستمرَ، المتسللون الاثيوبيون، أو غيرهم، في ترويج المخدرات والمسكرات وبيع الأسلحة وتوفير الخادمات بدون دعم من مواطنين مستفيدين، وبدون وجود الحاجة إلى خدماتهم. إن البحث عن طرف آخر، كايران، لتحميله مسئولية وجود الأثيوبيين في الجنوب، وما يرتكبه بعضهم من جرائم وموبقات ليس إلا تهربا من المسئولية، وإظهارا للذات الجماعية بصورة الضحية لمكر ودسائس الآخر الإيراني. لا أكتب هذا الكلام إنكاراً لكل ما يحدث في الجنوب او للتشكيك فيه، إنما للتنبيه الى خطورة الهرولة تجاه خلق أجواء يسودها ما اسميه (الذعر الايراني/Iranian Scare)؛ ذعرٌ يَصرِفُ التفكيرُ فيه عن تقصي الأسباب الحقيقية للأزمة، و يؤدي بالتأكيد الى إرتفاع حدة التوتر والاحتقان الطائفيين. فاجأني في هذا الجو المشحون بالذعر والحقد والغضب، تورط ُبعض كُتّابِ الرأي في خلق صورة نمطية مشوهة للاثيوبيين عامةً ، صورةٌ قائمةٌ على التعميم وتأصيل الروح العدائية والاستعداد الإجرامي في (طبيعتهم). كل الأثيوبيين يظهرون عدائيين بالفطرة في هذه الصورة. وكل اثيوبي مجرم في الكمون انتظاراً للحظة المناسبة. موضوعٌ يستحقُ زيارةً خاصة! [email protected]