أصبحت الأنباء المتعلقة بالأزمة السورية طبيعية رغم غرابتها أحياناً، و رغم قسوتها ووحشيتها أحياناً أخرى. من الغرائب التي أصبحت طبيعية أن طهران تتحدث باسم نظام الأسد وتقرر باسمه، ويطرح المسئولون الإيرانيون أنفسهم ناطقين باسم بلد عربي. يوم أمس قرر وزير خارجية إيران أن بشار الأسد سوف يخوض الانتخابات المقبلة في سوريا، وبهذه اللغة المباشرة دون أية لباقة دبلوماسية بأن مثل هذا الكلام يحمل في طياته إهانة لحليفة بشار الأسد ويعد - بالعرف الدبلوماسي - تدخلاً سافراً في شأن بلد مستقل، لكن طهران - علناً وجهراً - لا تعامل سوريا على أنها بلد مستقل، بل تعاملها على أنها محافظة إيرانية، وسبق أن ردد مسئولون إيرانيون أقوالاً يروجون فيها أن سوريا محافظة إيرانية، وكان هذا التدخل المفضوح غريباً ومذلاً للأمة العربية، لكنه في عهد نظام الأسد أصبح طبيعياً، لأن الأسد نفسه لم يعد يستطيع اخفاء أنه وكيل لطهران وأن طهران هي التي تملك القرار الأول والأخير في نظام الأسد، وأن بشار الأسد ليس سوى موظف لدى طهران وعليه الالتزام بأوامر قادة الميليشيات الإيرانية، وأنه لا يملك حتى التصرف بحرية الكلام أو الحركة، دون أوامر من طهران، فضلاً عن اتخاذ القرارات، وسبق أن أطلق الأسد تعهدات لم يتمكن من الوفاء بها، لأن طهران لم توافق عليها، حتى أصبح الأسد وسوريا أسرى لدى المزاجية والمصالح الإيرانية، بل وحتى صراع الأجنحة الإيرانية في طهران يمتد إلى سوريا ولبنان، والحوادث الوحشية هي أن نظام الأسد وميليشيات رعاته تستمر أياما بإطلاق صواريخ سكود المدمرة على المدن السورية، لأنهم فهموا أن التزام اجتماع أصدقاء سوريا بالحلول السلمية للأزمة في سوريا يعني أن المجتمع الدولي يعطي للأسد شرعية القتل، لكن جعل المدن أهدافا لصواريخ سكود يعد عملاً حربياً عدائياً، ورضي الأسد بالقيام بهذا الدور نزولاً عند أوامر من طهران، لتدمير المدن السورية التي يئست طهران من استعادة السيطرة عليها واستعمارها مجدداً. ومن التطورات الخطيرة أن قوات عراقية اشتركت في قصف مواقع للجيش السوري الحر على الحدود ويسرت لقوات الأسد السيطرة مجدداً على منفذ حدودي، وهذا يعني أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نفذ تهديداته المبطنة ودخل فعلياً الحرب إلى جانب نظام بشار الأسد، وهذا أيضاً ليس غريباً، لأن نوري المالكي - على غرار بشار الأسد - وكيل آخر لطهران في العراق. وهو ينفذ، كما الأسد، برنامجاً إيرانياً للتطهير العرقي والطائفي في العراق، ويبدو أن المالكي ينغمس في عمق الصراع الطائفي الذي أطلقته طهران في المنطقة، ويقامر، مثل بشار الأسد، بنفسه وببلاده، لأن أحرار العراق ينتفضون الآن، ولا يبدو أنهم سوف يسمحون للمالكي بالاستمرار في صفقة بيع العراق لإيران، خاصة أن العراقيين جربوا الإيرانيين وممارساتهم العدوانية ضد العرب «سنة وشيعة» وأدركوا أن الإيرانيين يسعون لتحقيق مصالحهم القومية على حساب العرب إلى أي ملة أو إلى أي مذهب انتموا.