ستبقى تونس و ثورة الياسمين فيها رمز هذا الحراك الذي ملأ مخيلات الملايين بأحلام الثورة، الوردية والغد الأجمل، و مع تعاقب الأشهر على ما حدث في تونس ومساحات التفاؤل تضيق للأسف في الوقت الذي تزداد فيه وتيرة الصراع السياسي الداخلي بين أطراف منظومة ثلاثية الحكم في تونس التي بطبيعة الأمور تختلف القوة السياسية والتأثير فيما بينها. يضاف إلى ذلك ما يشهده الإقليم الدولي من توتر سياسي عام وضعف في منظومات الأمن وانتشار جديد لمفاهيم القوى المسلحة و مجاميع تهريب البشر والسلاح. ربما تؤشر كل هذه التطلعات الجماهيرية بوضوح لعودة محتملة للمؤسسة العسكرية للتحرك في هذا الظرف الاستثنائي محلياً واقليمياً و دولياً، لتعيد شيئا من الأمور إلى نصابها بعد أن خرب أهل السياسة على اختلاف توجهاتهم ما يصعب إصلاحهومع هذه الصورة العامة تشهد حركة النهضة التي وُصفت من قبل الخصوم قبل الأصدقاء بأنها أكثر انفتاحاً من غيرها من الحركات المنضوية تحت العباءة الإخوانية العامة أقول تشهد النهضة ذبولا للمصداقية التي حصلت عليها عبر النهج الديموقراطي في الداخل وفي الخارج، فالشعب التونسي الذي يعتمد في دخله على السياحة و المستوى العلمي الذي يميزه مقارنة بغيره من الشعوب العربية الأخرى والذي يفخر بأنه الشعب الذي حقق أكبر مستوى من الحياة المجتمعية المدنية يعلنها اليوم و بوضوح غير مسبوق وفي أعقاب اغتيال شكري بلعيد من حركة الوطنيين الديموقراطيين بأن حركة النهضة وقيادتها الحالية، وأن الترويكا التي تتقاسم الحكم ومناصبه الرئيسة فشلت بقوة في تحقيق الأمن والاستقرار المطلوبين، أكثر من ذلك هناك أصوات تُحذِر من انزلاق الوضع الى ماهو أسوأ بعبارة أخرى هناك تحذيرات من عودة الدكتاتورية، مرة أخرى وهناك تحذيرات من تَسَرُّب السلاح عبر الحدود غير المنضبطة وانتشار الرعب والجريمة و الفوضى. في تونس يصفون اغتيال هذا الرجل « شكري بلعيد» بجريمة في حق الثورة، وهناك من يصف جنازته و الشعارات التي ترددت خلالها بالقطرة التى أفاضت بالكأس التي شارفت على الامتلاء، لقد كانت أجواء الاغتيال والتعبير عنه أجواء شعور بالفاجعة السياسية والأمنية، وكان من اليسير للمراقب رصد تلك النداءات التي توجهت للرجل القوى في أعين التونسيين وأعني به الجنرال رشيد عمار رئيس أركان الجيش وناشدته التدخل لمصلحة البلاد والعباد وحماية الثورة والثوار من تغول النهضة وقوى أخرى قريبة منها يعتقد أنها وراء تأزيم الوضع المتصاعد هناك. قد يكون من غير المألوف دعوة قوى وأحزاب سياسية مدنية للمؤسسة العسكرية لحماية النظام عموماً، و لكن الوضع هنا مختلف و يُسوِّغ لهذه الدعوات التاريخ المهني النظيف للجيش في تونس، و الاحترافية الرأسية لقيادته العليا بمعنى ابتعادها المستمر والتقليدي عن الانغماس في الشأن السياسي. وربما يعكس خطورة مايحدث في تونس حالياً المطالبة بتحرك لحماية مجموعة من المفاهيم الأساسية للناس مثل الثورة، والثوار، والدولة، والدستور، وربما تؤشر كل هذه التطلعات الجماهيرية بوضوح لعودة محتملة للمؤسسة العسكرية للتحرك في هذا الظرف الاستثنائي محلياً واقليمياً و دولياً، لتعيد شيئا من الأمور إلى نصابها بعد أن خرب أهل السياسة على اختلاف توجهاتهم ما يصعب إصلاحه. المؤسسة العسكرية في بدايات ثورة الياسمين كانت تُشْعِر الناس بأنها تُهديهم التغيير وتضمن لهم استمراره، ويتذكر الجميع كيف أن الجنرال عمار كان الرجل الوحيد الذي استطاع إقناع المعتصمين في القصبة « مقر الحكومة» بفك اعتصامهم في شهر يناير 2011م حين طالبوا برحيل حكومة محمد الغنوشي، عندما التزم أمام الجميع بأنه ضامن لحماية الثورة. كل الاحتمالات واردة اليوم حتى ان طوفان رجل اغتيل قد يذهب بشركاء السلطة ويأتي بسلطة العسكر. @salemalyami