تجتهد أجهزة الدولة الأردنية، المدنية والأمنية، في دراسة سيناريوهات اليوم التالي للانتخابات النيابية المقررة الأربعاء المقبل، وسط مخاوف أمنية، محلية وخارجية، من «تقديرات» تشي ب»اندلاع موجة احتجاجات غير مسبوقة». وتقف «أروقة القرار» مليًا عند صيغة «التحالفات النخبوية»، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي ستنشأ في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات النيابية، التي تشهد مقاطعة واسعة النطاق من قوى حزبية وعشائرية احتجاجًا على القانون الذي تجري وفقه. وقالت مصادر رفيعة، في تصريحات متطابقة ل»اليوم» إن «أجهزة الدولة الأردنية تعكف على دراسة التحديات الأمنية المرافقة لنتائج الانتخابات النيابية. وأشارت المصادر، التي رفضت الإفصاح عن هويتها، إلى «مؤشرات وشواهد تشي بأن اليوم التالي لإعلان نتائج الاقتراع في الأردن سيكون مختلفًا عمّا سبقه، سواء لجهة طبيعة التحالفات السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية التي ستنشأ، وما يترتب عليها من اتساع قاعدة المعارضين للنظام في المملكة، أو لجهة الاضطراب الأمني المناطقي المتوقع». وزادت المصادر أن «الأجهزة الرسمية تتوقع تحدياتٍ أمنية، الفاعل فيها قوى محلية وإقليمية، من شأنها الزج ببلاد، تعاني أزمة اقتصادية خانقة، في أتون اضطراب داخلي استجابة لاشتراطات الجوار الأردني المضطرب». بدا معهد واشنطن أكثر تشاؤمًا في تقرير أعده الباحث ديفيد شينكر بعنوان «هل ستكون الأردن أول ملَكية عربية تسقط؟»، جاء فيه «خط توجّه القوى المعارضة غير مطَمئِن، والأمر الأكثر إزعاجًا هو أنه على مدى الثمانية عشر شهرًا الماضية ظهر ائتلاف معارضة مثابر، لا يشمل معارضي النظام الملكي الإسلاميين الدائمين فحسب، بل أيضًا عددًا متزايدًا من سكان الضفة الشرقية» وتقف أروقة القرار الأردني وفق المصادر عند سيناريوهَين اثنين لليوم التالي للانتخابات، الأول «اندلاع احتجاجات مناطقية، يبدؤها المرشّحون الخاسرون في الانتخابات، تتطور لاحقًا إلى أعمال عنف تضطر الأجهزة الأمنية إلى معالجتها أمنيًا، ما يفاقم من حدتها، ويهيّئ لتدخّل قوى إقليمية لها مصلحة في تصدير أزمتها إلى جوارها»، والثاني «مرور إعلان النتائج دون تهديد حقيقي للوضع الأمني مع تنامي حجم المعارضين للنهج الرسمي، ورفد قوى الحراك الشعبي بمناصرين عشائريين جُدد». الحكم في الأردن قرّر تجاوز الأزمة الداخلية بالقفز عليها، هذا ما بدا جليًا في تصريح وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة الأردنية سميح المعايطة ل «اليوم» من العاصمة عمان. وقال المعايطة إن «الانتخابات النيابية، وفق الرؤية الملكية، ليست حفلًا ختاميًا للإصلاح، بل تجسيدًا لما أنجز من إصلاحات، وبوابة لخطوات قادمة». وزاد: «ما بعد الانتخابات مرحلة ستشهد محاولة جادة لبناء حكومة وفق أسس جديدة، وبتشاور أكبر مع الكتل البرلمانية»، مستدركًا بالقول «لكن هذا مرتبط بتركيبة المجلس القادم السياسية، وقوة كل كتلة». وحيال المقاطعة الواسعة للانتخابات، قال المعايطة: «هناك إرادة جادة للدخول إلى مرحلة جديدة، أما العلاقة مع أي طرف قاطع الانتخابات، فإن الأمر يعتمد عليه، فالدولة مستمرة في مسارات الحوار والتوافق، ومن يقرر الانخراط فيها، دون شروط أو تعصّب وانغلاق، فإن الفرصة متاحة لمزيد من الإصلاحات ومناقشة كل القضايا التفصيلية». الوزير المعايطة في إجابته قفز عن التحديات الأمنية التي تلوح في أفق اليوم التالي لإعلان النتائج، ليناقضه في ذلك الباحث والخبير في الشؤون الانتخابية والبرلمانية وليد حسني، الذي يرى أن «اليوم التالي للانتخابات النيابية سيشهد احتجاجات شعبية مناطقية واسعة النطاق، مقارنة باحتجاجات شهدتها دورات انتخابية سابقة، ستؤدي إلى تلاقٍ بين المحتجين الجُدد وقوى المعارضة الحزبية والعشائرية». وتوقع حسني، في تعليق ل»اليوم»، أن «تشكّل الاحتجاجات على نتائج عملية الاقتراع، والتجاوزات التي سترافقها، كلفة باهظة على النظام السياسي في الأردن، الأمر الذي سيزيد من أعباء الضائقة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وسيفاقم التحديات الأمنية بشكل لافت». ويرجّح حسني أن «يشهد الأردن، في أعقاب الانتخابات النيابية، إطارًا نخبويًا أوسع، يطالب بحل مجلس النواب المقبل، باعتباره فاقدًا للشرعية الشعبية ولا يمثل الأردنيين». وبدا معهد واشنطن أكثر تشاؤمًا في تقرير أعده الباحث ديفيد شينكر بعنوان «هل ستكون الأردن أول ملَكية عربية تسقط؟» جاء فيه «خط توجّه القوى المعارضة غير مطَمئِن، والأمر الأكثر إزعاجًا هو أنه على مدى الثمانية عشر شهرًا الماضية ظهر ائتلاف معارضة مثابر، لا يشمل معارضي النظام الملكي الإسلاميين الدائمين فحسب، بل أيضًا عددًا متزايدًا من سكان الضفة الشرقية». وأضاف: «على الرغم من أن المشاعر في صفوف هذه المجموعات، المعروفة باسم «الحِراك»، ربما لا تكون واسعة الانتشار بين قبائل المملكة، إلا أن أعضاءها متماسكون، وأبدوا أسلوبًا سيئًا غير عادي في انتقاد الملك عبدالله الثاني، حيث انتهكوا الأعراف والقوانين في الأردن التي تحظر تشويه صورة أفراد العائلة المالكة». الأجواء السياسية المحتقنة في الأردن ترافق عملية انتخابية تنال من شفافيتها ومصداقيتها تجاوزات واسعة، استدعت توقيف رئيس قائمة حزب الاتحاد الوطني رجل الأعمال المعروف الكابتن محمد الخشمان، الذي يقود قائمة انتخابية من 27 مرشحًا، فضلًا عن 4 مرشحين آخرين، على ذمة التحقيق بتهم تتعلق باستخدام المال الفاسد في التأثير على إرادة الناخبين الأردنيين. بيد أن اعتقال المرشحين افرز ظاهرة جديدة، وهي لجوء مناصريهم إلى التهديد بالاعتصام والتظاهر للإفراج عنهم، ما يؤسس لصيغة جديدة في العلاقة بين السلطات الحكومية والغاضبين الجُدد. المشهد الأردني يتنازعه اليوم فريقان على طرفي نقيض، الطرف الرسمي وحلفاؤه، والقوى السياسية والاجتماعية المعارضة للانتخابات، فيما تلوذ الكتلة الشعبية الغالبة بالصمت حيال صراع الفريقين بحثًا عن ملاذ آمن ينجيها من مأزقها المعاش، الذي تمظهر أخيرًا في ارتفاع غير مسبوق لكلف المعيشة وتدنٍّ خطير في مستوى الخدمات الحكومية المقدّمة للمواطنين.