الأردن إلى أين؟ سؤال يبحث عن إجابة لدى النخب السياسية الأردنية يضاف إليه حجم الإزعاج الكبير الذي يمارسه عمليا التيار الإسلامي (المعارضة) في البلاد منذ مسيرة «إنقاذ الوطن» التي أشغلت الرأي العام الجمعة الماضية والتي توقع الجميع لها أن تكون بداية لربيع عربي جديد بنسخة أردنية. القضية المركزية الأولى والتي سببت الخلافات بين النظام والقوى المعارضة، هى قانون الانتخاب وقضية الفساد المالي، حيث تقول الدولة إنها طوت صفحاتها بإصدارها قانونا عصريا للانتخاب ومحاكمة أبرز شخصية أردنية متهمة بقضايا فساد وهو مدير المخابرات العامة السابق محمد الذهبي. بيد أن ما يقوله النظام لم يقنع المعارضة التي يتزعمها الإخوان المسلمون ورئيس الوزراء و مدير المخابرات الأسبق أحمد عبيدات، والذين يطالبون بإحالة قضايا الفساد المتهم فيها رموز كبيرة بالدولة إلى القضاء وتعديل قانون الانتخاب بعيدا عن «الصوت الواحد» الذي يستهدف القوى الوطنية بالبلاد. وعمليا، تبدو قضايا الفساد هامشية أمام قضية «الصوت الواحد» بالنظام الانتخابي، حيث تعتبره المعارضة معركتها الرئيسة في البلاد وهو القانون الذي يرى الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين حمزة منصور أنه قسم اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي الأردني، وساهم في إحداث شرخ وتمزيق للمجتمع. ويلفت منصور إلى أن قاسما مشتركا بين الفعاليات الشعبية والحزبية والنقابية في الأردن، مؤكدا على ضرورة تغيير قانون الانتخاب بآخر يلبي طموحات الجميع. وبين أن قانون «الصوت الواحد» كرس مفاهيم متعددة مثل العشائرية والمناطقية وغيرها وبالنتيجة انتخاب مجلس نواب ضعيف غير قادر على تحمل مسؤولياته. ووجه الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، نقدا لاذعا للإصلاحات السياسية بالبلاد، قائلا إنها حولت الحكومات إلى ما يشبه بلعبة الشطرنج تحركها سلطة خفية، مشيرًا إلى أن الربيع العربي جاء للأردن في وقت تحول فيه الأردن من دولة قانون لدولة أشخاص. وأكد عدم جدوى إجراء انتخابات نيابية في الوقت الحالي في ظل رفض النظام تعديل قانون الانتخابات الذي هو تكرار للصوت الواحد، ولا يمكن القبول بالمشاركة في انتخابات على أساسه. وقال إن استمرار القانون وحل البرلمان بدون إجراء تعديل عليه فاقم الوضع وزاد الاحتقان، حيث إن إجراء تعديلات على قانون الانتخاب مطلب شعبي وليس لأحزاب بعينها، فالشعب لا يريد أن يرى برلمانا مكررًا، وهو ما سيدفع إلى إعطاء دافع أكبر لتنظيم المسيرات حتى تتحقق المطالب في أن يكون الشعب هو مصدر السلطات، إضافة إلى تشكيل حكومة من أغلبية برلمانية، فما يحدث الآن تزوير لإرادة الشعب ومرفوض تماما من غالبية المواطنين. وأضاف: إننا كحركة إسلامية سنواصل المسيرات وبنفس الحشود وأكبر منها، كما رأينا في جمعة إنقاذ الوطن، مادامت الأوضاع على ما هي عليه بدون أن نشهد اتجاها لإجراء إصلاحات حقيقية وليست شكلية، فيما يتزايد الفساد ولا نجد المحاسبة لمن تورطوا يإيصال البلاد إلى ما هي عليه الآن من مديونية تراكمت حتى قاربت ال22 مليار دولار، وكل ذلك من قوت المواطن وعلى حساب موارد الدولة. ورغم تعديلات الدستور وقانون الانتخاب وإنشاء المحكمة الدستورية رسميا، إلا أن منصور يحذر مما أسماه تغول السلطة التنفيذية علي بقية السلطات، مما يفقد المحكمة الدستورية سلطاتها. ولذلك فإن قانون الانتخاب بات واقعا على الأرض وأدخل عليه العاهل الأردني عبدالله الثاني تعديلات قبل أن يأمر بإقراره وهي تعديلات رفضها التيار الإسلامي، مما دفعه لمنحها فرصة لدراسة موقفها، مخيرا إياها البقاء في الشارع أو الانخراط في بناء الدولة، غير أن الحركة الإسلامية فضلت خيار الشارع، لتواصل برنامجها المعارض بإزعاج الدولة عبر مسيرات أسبوعية من شانها إرهاق الأمن. وكحل وسط، طرحت شخصيات سياسية أردنية بارزة موضوع تأجيل الانتخابات والعمل على تعديل قانون الانتخاب كحل وحيد قادر على إخراج الأردن من الأزمة الحالية وتجاوز حالة الاحتقان وتجنب تصاعد الأحداث، إلا أن الدولة رفضته. وقال وزير الاتصال والإعلام سميح المعايطة إن الدولة أنجزت الإصلاحات المطلوبة من تعديلات على الدستور وقانوني الأحزاب والانتخاب والمحكمة الدستورية، وأنه لا مبرر لأي قوى سياسية أردنية، معارضة المشروع الإصلاحي. وأضاف أن الدولة مصرة على إنجاح التجربة الإصلاحية، لذلك لا بد للجميع من الانخراط بالإصلاحات، مشيرا إلى أن معارضة قانون الانتخاب غير مقنعة، فالباب مفتوح أمام الجميع للمشاركة بالانتخابات ودخول البرلمان الجديد وإجراء تعديلات على قانون الانتخاب من داخل البرلمان لا من الشارع. والمعايطة يشعر بحرج الموقف والمسؤولية التي يصفها بأنها «تاريخية» من منطلق وعيه بأن فشل التجرية الآن سيعني (الاستسلام ) للكثير من الإصلاحيين والليبراليين وأن المؤسسة المحافظة والبيروقراطية قد تفوقت. وفي رد على سؤال عن ضمانات النجاح في إنجاز ملف التنمية السياسية بأبعاده وعن احتمالات الفشل؟ قال المعايطة: لا أريد أن أظهر بمظهر وزير يرد علي أسئلة صحافية.. دعونا نفكر معا بقصة التنمية السياسية من أولها واستعرضوا الحقائق التالية: أولا هل تتفقون معي بوجود استحقاقات وتداعيات إقليمية ستضطر أي عاقل للتفكير بها والاستعداد لها؟.... أعتقد أن الجواب (نعم). ثانيا أمامنا بالتجربة الأردنية قيادة لديها رؤية جدية وطموح بالتغيير وتتبنى خطابا شفافا ومنهجية واضحة بالإصلاح والتغيير والمسألة بالنسبة لقيادتنا لا تدخل في باب التكتيك بل الإستراتيجيات وما أقصده بوضوح أن (الإرادة السياسية) متوفرة وهي تشكل تغطية مناسبة لإنجاز حقيقي مع العلم بأن القيادة مؤمنة بالتغيير والتنمية. ثالثا بين يدينا تجربة أردنية نحو التغيير والإصلاح والتحديث والتطوير تنمو بشكل تدريجي، وهي تجربة في الواقع العملي تشكل رأس المال الحقيقي الذي نعرضه على الآخرين في العالم وفي المنطقة، وهذا العرض هو بصراحة وببساطة محور دورنا الإقليمي وموقعنا على خارطة العالم في المستقبل والمعنى أننا بحاجة ملحة لتطوير تجربتنا في التنمية السياسية ليس لحل إشكالاتنا الداخلية فقط، بل للحفاظ على مصالحنا ودورنا في العالم، وهنا يصبح الحديث عن التنمية السياسية ليس ترفا فكريا بل تعبيرا عن حاجة اجتماعية واقتصادية وإقليمية إن لم تكن سياسية. وتابع المعايطة: اجمعوا العناصر الثلاثة وحاولوا إنتاج المشهد الأردني مجددا وتركيب الصورة، سنجد ببساطة أن الوقت يداهمنا ولا مجال أمامنا في الأردن للترف، ومن هنا أقول كمسؤول أن التنمية السياسية، ليست مجرد شعار بل منهاج عمل وحياة هدفه الأول والنهائي الحفاظ على أنفسنا وحماية مصالحنا في كل اتجاه. وقال: نحن نتحدث عن آلية تأخذ شكل العملية، وعن مؤسسة وعن أطر ومفاهيم جديدة للحياة السياسية والاجتماعية بالأردن، وأهداف بهذا الحجم ستظلم إذا حشرت في معادلة الفشل والنجاح، وقد يحصل تعثر هنا أو خطأ هناك، لكننا جادون وسنعمل بكل طاقتنا لإنجاز المأمول، ومع ذلك قلت بأننا لا نحب الفشل، لا كفريق وزاري اختير لهذه المهمة ولا كمواطنين والنوايا طيبة وإيجابية ونمهد لكل سبل النجاح فأسبابه واردة خلافا للفشل وهي أسباب لا تدخل في باب التنظير السياسي. وأكد الوزير الأردني قائلا إن مفهوم التنمية والإصلاح السياسي بالنسبة للدولة هو توسيع المشاركة الشعبية وتعزيز ثقافة الديمقراطية ومأسسة مفاهيم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومجتمع المواطنة والعدالة والاستقلال القضائي... وكل ما يمكن أن يخدم مسيرتنا يمكن استنساخه في إطار مشروع التنمية السياسي الذي هو مشروع وطني إستراتيجي. نظام الصوت الواحد المدينة - عمان نظام «الصوت الواحد» هو نظام انتخابي يعتمد بالأصل الدوائر الضيقة، حيث يتم انتخاب مرشح واحد عن كل دائرة تقسم من خلاله الدولة بشكل كلي إلى دوائر بعدد أعضاء المجلس النيابي، وبحيث يكون عدد الناخبين في كل دائرة متساويا مع عدد الناخبين في الدوائر الأخرى. أي أن التقسيم يقوم على التعداد السكاني وليس على المساحة الجغرافية. وبالتالي فمن الممكن لدائرة أن تضم مساحات شاسعة بينما دائرة أخرى هي عبارة عن حي في مدينة. والذي يحدد عدد الناخبين في دائرة ما هو عدد الناخبين الكلي على عدد المقاعد في المجلس النيابي، وبالتالي تعكس هذه النسبة التمثيل النسبي الفعلي بحيث يتم من الناحية النظرية على الأقل انتخاب عضو المجلس النيابي بنسب متكافئة في كل دائرة. ويتم النجاح في الانتخابات لمن يحصل على أعلى الأصوات من الناخبين الفعليين في الدائرة. أي حتى إن لم يحصل المرشح على 50% من أصوات الناخبين يكون قد نجح في الانتخابات عن الدائرة. تأثيرات النظام ينفذ نظام الصوت الواحد على الدولة، لكن تأثيره يبقى بإطار الدوائر إلى أن يتم تجميع الأعضاء المنتخبين إلى البرلمان تحت قبة البرلمان. أي أن الحملات الانتخابية يمكن أن تنفذ على مستوى الدوائر الانتخابية. ويمكن من حيث المبدأ أن يتم انتخاب أي شخص يمكنه أن يجمع أكثر الأصوات في دائرة ما إلى البرلمان بغض النظر إذا كان له امتداد في الدوائر الأخرى أو لم يكن له مثل هذا الامتداد. هذا يعني أن العمل الحزبي سيكون صعبًا ما لم يكن الحزب منتشرًا بنفس الكثافة والقوة في جميع الدوائر الانتخابية. ويساهم نظام الصوت الواحد في تفتيت العملية السياسية، ما لم يحفظ التوازن وعي سياسي واجتماعي عالٍ. وفي حالة الأردن ونتيجة للتأثير الكبير للعشائر، فقد لعب نظام الصوت الواحد دورًا بارزًا في تزكية النزعات العشائرية وفي تفتيت الأصوات الانتخابية بحيث لا يتم الإجماع على المرشح صاحب البرنامج السياسي أو الانتخابي القوي بل على المرشح العشائري أو المناطقي. أما الأحزاب، فقد همش دورها كثيرًا ولم تتمكن أغلبها من تحقيق الشروط الجديدة التي فرضت لتصحيح الوضع الحزبي في الأردن. سنفصل هذه النقطة في مكان آخر من هذا الدليل. ولكن ما يهم هنا أن النظام الانتخابي المنفذ لم يساعد هذه الأحزاب على النمو والتطور. فلو أن الانتخابات مثلًا تعتمد على التمثيل النسبي الحزبي لكان جميع المرشحين ومؤيديهم قد انضووا تحت هذا الحزب أو ذاك ولكان هناك محاولات لوضع برامج تنسجم مع تطلعاتهم وبالتالي سيتم التوصل لمجموعة من البرامج التوافقية لمجموعة محددة من الأحزاب التي تمثل في الواقع قطاعات معينة من المجتمع. لكن ضمن الوضع القائم حاليًا، لا يوجد في الواقع برامج موحدة ولا يوجد أطروحات سياسية تتناسب مع الواقع السياسي للأردن لأن الترشيح لا يقوم على أسس سياسية أو برامجية بل على أسس عشائرية وفئوية ضيقة.