في التسعينيات وبعد سقوط النظام الشيوعي الاشتراكي وظهور أدبيات البيروسترويكا تحوّل العالم من "نظام الحرب الباردة" المتمركز حول الانقسام ومنع الانفتاح، إلى مبدأ الجلاسنوست وانطلاق مضمون ثقافي واتصالي كاسح عُرف بنظام العولمة قائم على الاندماج وتذويب الثقافات الإنسانية في النمط الحضاري الغربي، وتحققت تبعًا لذلك طفرات وقفزات تقنية نوعية هائلة في وسائل الاتصال، وذلك كان تطبيقًا لمفهوم القرية الكونية الذي يرتبط بالعولمة ما يعني انفتاح الجميع على العالم من حولهم، والاحتكاك بالثقافات العالمية، ولذلك تأثيره الاتصالي والثقافي المؤكّد في طبيعة المجتمعات المحلية التي أخذت تكتسب صبغة تختلف عن الموروث التقليدي في العادات والتقاليد وحتى في التوجّهات الفكرية. لعالمية أو الكونية في اصطلاحها الحضاري والثقافي ربما بدت بديلًا مغريًا للتشوّهات التي يمكن أن تحملها العولمة، فهذه تعمل على التنمية الفكرية والتبادل المعرفي مع ضرورة الاعتراف المتبادل بالآخر لكن مع شرط المحافظة على الهوية الذاتية للمجتمع وليس بفقدها وإضفاء الصبغة الغربية والتنصّل عن كل ما هو نابع من المجتمع، وتقوم وسائل الاتصال بدور كبير في عملية العولمة فهي أحد إفرازاته والعامل الأهم في نشر ثقافته. تطور الوسائط التقنية عزّز مفهوم القرية الكونية، وجعل عملية الاتصال أكثر تفاعلية مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» التي يعتبرها البعض أهم الظواهر التي ظهرت في ثورة الانترنت، حيث إنها عملت بشكل كبير على تكسير الحواجز الاجتماعية والتقريب بين فئات المجتمع وفي العولمة هناك جهد حضاري ممنهج للسيطرة على ثقافة الآخرين، وتلعب السيطرة على وسائل الإعلام والوسائط التقنية من خلال إنتاجها ومتابعة تشغيلها وأدائها دورًا محوريًا في توفير "كونترول" على الخطاب الاتصالي والثقافي الذي يرغبه الآخر، ولذلك من واقع تلك السيطرة فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تزال تمتلك زمام المبادرة الحضارية والثقافية من خلال امتلاكها 65 بالمائة من المادة الإعلامية التي تضخّها للعالم ما يساعدها في تعزيز مفهوم العولمة بوصفها نظامًا عالميًا جديدًا يقوم على العقل الالكتروني والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود، دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيم والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم. تطور الوسائط التقنية عزّز مفهوم القرية الكونية، وجعل عملية الاتصال أكثر تفاعلية مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" التي يعتبرها البعض أهم الظواهر التي ظهرت في ثورة الانترنت، حيث إنها عملت بشكل كبير على تكسير الحواجز الاجتماعية والتقريب بين فئات المجتمع، وكان لافتًا أن تكون السعودية إحدى أكثر دول العالم نموًا على "تويتر"، حيث وصل عدد المستخدمين إلى أكثر من 2.9 مليون، بنسبة نمو في عدد المستخدمين بمعدل شهري تخطى 3000 بالمائة، مع نشاط بارز لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وذلك جعل "تويتر" ساحة لتفريغ المشاكل المجتمعية لدينا، ومرآة عاكسة لواقعنا، ففي غضون اليوم الواحد تظهر عشرات (الهشتاقات) في مختلف قضايا الرأي العام السعودي وفي مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما يشكّل ظاهرة تفاعلية جيدة لتطويع وسائل الاتصال في رفع مستوى الوعي المجتمعي، خاصة إذا كانت عملية النقاش وتبادل الآراء مثمرة وتصبّ كحلول إيجابية ساعية لخدمة المجتمع. ولكن، للأسف الشديد، كحالنا الاستهلاكية بصورة عامة انحرف الاستخدام المثالي للتقنية إلى الأسوأ، فأكثر التغريدات في "تويتر" تحمل صبغة طائفية ومذهبية ومناطقية، وتعمل على بث سموم الفُرقة، وتسعى الى تمزّق النسيج المجتمعي، مما يُشكّل صافرة إنذار من أزماتٍ ربما تكون مقبلة بين التيارات المختلفة، وهذا غير مستبعد، فقبل شهور تفجّرت قضية الكاتب السعودي أحمد عدنان، الذي أبلغ المسؤولين في إمارة الرياض بقيام أحد المغرّدين بالتطاول عليه بالشتم والقذف، وهذه قضية اختلاف فكري تحوّلت لعداء شخصي للكاتب، وهي تدلّ على أننا وصلنا الى بُعدٍ غير جيّد في التعامل مع الموقع، وفي هذا السياق هناك قضايا كثيرة أيضًا خرجت من رحم "تويتر"، وشغلت الرأي العام السعودي من الإلحاد والسب والقذف وربما كان أشهرها قضيتي حمزة كشغري والدكتور تركي الحمد، فثقافة المغرّدين واتجاهاتهم مختلفة، فهم ينقسمون بطبيعة الحال من حيث الفكر، وقد عرّى لنا "تويتر" أصحاب التوجّهات الراقية المثقفة بطرحها وتناولها للقضايا وأصحاب الفكر المنغلق بكافة تناقضاته، وفيما يفترض أن تعمل التقنية الحديثة على تقريب البعيد وتحقيق المقاربات الموضوعية بين المتضادات الفكرية والثقافية وتحقيق التذويب الثقافي بحسب ما أراد مَن أنتجوها وابتكروها، ونحن أولى بأن ننصهر ونتقارب، أصبحت وبالًا علينا بسوء الاستخدام وتعمل على تكريس التنافر وتعييب الاتجاهات الفكرية بكل ما في الطرح من "عنجهية". twitter@sukinsmeshekhis