نحن في زمن العولمة ، كلمة باتت تتردّد كثيراً وتحمل في طياتها الكثير من المعاني والإيحاءات، منها ما هو إيجابي ،ومنها ما هو سلبي مرفوض بلا جدال، ومنها ما هو قابل للتجيير والتطويع كي يتواءم مع رقي مرتكزاتنا ، وثوابتنا العقدية والحضارية، وبداية أقرّ بأن موضوع العولمة لا يكفيه أن يبحث في بضعة أسطر، ولكنها كلمات لا بد أن تقال على أمل أن تقدم فائدة ما في هذا المجال. وإذا سلمنا بمقولة إن العولمة باتت واقعا لا مفر لنا من التعامل معه والسير في ركابه فإن هذا يضعنا أمام مسؤوليات جسام يشترك فيها كل أفراد الأمة الإسلامية والعربية. بل إنه يجعلنا في حالة نفير فكري وثقافي واجتماعي وعلمي وصناعي حالة تجعل الأمة تولي اهتماماً غير مسبوق بفروض الكفاية، تلك الفروض التي إن وظفت العقول اللامعة في خدمتها والعمل عليها ،ستكون سببا في نهضة الأمة، ووضعها في مصافّ الأمم القوية الفاعلة بإذن الله . إن نظرتنا إلى العولمة وموقفنا منها يجب أن يكون بحجم تعريفها ومجالها وتأثيرها إذ اختلف مفهوم العولمة باختلاف مجالاتها ومقاصدها. فهناك من يرى أن العولمة شعارات ثقافية واجتماعية وإنسانية براّقة تخفي وراءها أهدافاً اقتصادية وسياسية واستعمارية تهدف إلى إغراق الأسواق وخاصة في الدول النامية والفقيرة تحت مسمى النهوض باقتصاد تلك البلدان فتسلم زمام اقتصادها وثرواتها لتلك الدول، بل وتصبح ثقافة تلك الدول الغنية وسلوكياتها وقيمها نهجاً وشرعة للعالم الثالث وفق ثقافة الذيلية إن جاز التعبير، أي أن تبقى المجتمعات الفقيرة الضعيفة المتهالكة ذيلاً يدور خلف القوى التي نجحت ومرّت ،وفق شعار " دعه يعمل دعه يمر " . فلا قيود انسانية او أخلاقية، وبالتاكيد لا قيود شرعية تقف في وجه هذا الشعار ،اللهم إلا إذا استثنينا تلك الأصوات المنصفة التي لا تخلو منها الإنسانية " فجون زيغلر " المفكر السويسري ، يتهم منظمة التجارة العالمية بأنها تمثل الليبرالية في صورة متطرفة وهي لا تبالي بالضرر الذي تسببه سياستها من دمار اقتصادي وإنساني في دول العالم الثالث. أما التعريف الأخطر فهو اعتبار العولمة سلوكاً قيمياً وثقافياً وحضارياً يسعى الغرب إلى صهر وتذويب شخصية الآخر فيه إضافة إلى الذوبان والانهيار والارتماء الاقتصادي في حبائلها . فالعولمة وفق هذا التعريف أيديولوجيا تسعى للسيطرة على الآخر، وإلغاء خصوصيته أيا كانت خلفية ومرتكزات تلك الخصوصية.،وهي تسخّر لأجل ذلك كلّ مقوماتها التكنولوجية ، فأتاحت وسائل الإتصال المتطورة للبشرية سرعة الاتصال ،وتعدد وسائله ،واتساع دائرة التاثر والتأثير ،وبالتالي أصبحت فرصة النجاح الباهر لهذه الايديولوجيا متاحة بلا قيود. وعليه فإن الأمة الإسلامية مطالبة اليوم بوضع استراتيجية شاملة ،تتواءم مع ما أمامها من معطيات واخطار ، وهي جسيمة ،ومالديها من مقومات ومنظومات عقائدية وقيمية.