سمعت بمصطلح الصدمة الثقافية Culture Shock لأول مرة عندما ذهبت للدراسة في أميركا في الربع الأخير من القرن الماضي ،وكان أول سؤال يسأله مدرسو اللغة الإنجليزية للطلبة الجدد هو مدى تكيّفهم وتقبّلهم لهذه الصدمة خاصة القادمين من منطقتنا العربية، حيث الفوارق كبيرة جداً آنذاك بين المكانين ولا تزال. أولى صدماتي كانت عام 1967 عندما عدت من لبنان وأنا دون الثامنة، قدمت من مدرسة مختلطة- والعياذ بالله- إلى مدرسة ابتدائية في الدمام، احتفت بي المدرسة في يومي الأول احتفاءً يليق بي، كنت لابساً شورتاًَ قصيراً أثار ضحك الطلبة والمدرّسين وفرّاش المدرسة ومديرها طوال اليوم، وكاد مدرس الدين أن ينزل بي إلى الصف الأول بعدما أخطأت -وبلكنة لبنانية صرفة- إجابة سؤالٍ دينيّ جوهريّ لا أستطيع ذكره هنا! أخطر الصدمات على الإطلاق وتسمى بالصدمة الثقافية المعاكسة كانت عند عودتي للوطن بعد انتهاء تعليمي الجامعي، كنت وكثيرٌ غيري من المبتعثين العائدين متعالين وكثيري النقد والفلسفة الزائدة مستنكرين لكثير من الظواهر الإجتماعية القائمة ،وكأننا ولدنا وتربّينا في مكان آخر، المهمّ في الأمر بأننا مع مرور الوقت «تربّينا» وعدنا إلى تواضعنا وللّه الحمد! الصدمة الأهم كانت اجتماعية وبعد زواجي وحتى لا يسيء الظنَّ سيِّئو الظنِّ أقول :بأنها إجمالاً تجربة سعيدةٌ وإن لم تأتِ بسهولة ويسر، فهناك تنازلات وتجاذبات وعملٌ شاق لا يخلو من مناوشات ،وفي رواية «مناقر» التي أشتاق إليها أحياناً خاصة عندما يسود الهدوء على زوج يريد ملءَ فراغ خريف عمره الذي أوشك على الدخول! كل ما ذكرت من صدمات ثقافية واجتماعية ناتجة عن غربة أو تجربة شخصية منطقي ومتوقع ولكن ما لا يمكن استيعابه عندما يشعر بها المواطن داخل وطنه ومنها عند انتقالي من مدرسة متوسطة تشرف على مبانيها شركة أرامكو السعودية إلى ثانوية الدمام الأولى تحت اشراف وزارة المعارف! كل ما ذكرت من صدمات ثقافية واجتماعية ناتجة عن غربة أو تجربة شخصية منطقي ومتوقع، ولكن ما لا يمكن استيعابه عندما يشعر بها المواطن داخل وطنه ،ومنها عند انتقالي من مدرسة متوسطة تشرف على مبانيها شركة أرامكو السعودية إلى ثانوية الدمام الأولى تحت اشراف وزارة المعارف! انتقلت من مدرسة فيها كل مقومات الدراسة الكريمة من فصول ودورات مياه نظيفة ومختبرات مزوّدة بعدد يسيل لها لعاب الفيزيائي أيwنشتاين والكيميائي أحمد زويل، إضافة لملاعب كرة وتنس وصالةٍ فيها كل أدوات الرياضة، إلى مدرسة كنت أنطق بالشهادتين عند استخدامي لأدراج المدرسة خوفاً من انهيارها المحتمل ودورات مياه بلا مياه جعلتني أشتاق يومياً لدورة مياه بيتنا عند عودتي من المدرسة وقبل إلقاء تحية السلام على أحد! وما لا يمكن تقبّله من صدمات عند ذهاب أحدنا إلى مدينة يقطنها أناسٌ نافذون ويرى الفروقات الكبيرة في الخدمات العامة ومليارات الريالات التي تصرف عليها بالنسبة لمدينته يبدأ بالسؤال:هل مديwنتي تنتمي لنفس بلد هذه المدينة؟ وما لا يمكن تصديقه أيضاً عندما يتعامل معك مواطنون نافذون دينياً وسياسياً واجتماعياً على أنك جسم غريبٌ يجب استئصاله بمجرد تبنّيك وجهة نظر مخالفة عن وجهة نظرهم! أو عندما يرفض موظف حكومي مساعدة عائلة منكوبة بموت أفرادها في نقل جثامينهم بحجة اختلاف مذهبهم عن مذهبه معرّضاً كرامة الموتى للإهانة وفي زيادة حزن أهاليهم! الصدمات الناجمة عن الغربة والزواج ينتهي تأثيرها مع مرور الوقت ،ولكن من ينقذنا من الصدمات التي تعصف بنا داخل أوطاننا؟ Nabeel_Almojil@ : تويتر