في الوقت الذي نلمس فيه مرحلة جديدة من الشفافية وحرية الرأي، يقودها خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله)، والذي يحث على تعزيز هذه المبادئ في جميع الممارسات وفي كافة الظروف والأحوال، ومن ذلك ما حصل قبل فترة قصيرة أثناء حديثه (يحفظه الله) بمناسبة إعلان - ميزانية الخير -، وتوجيهه « كل المسؤولين للظهور عبر وسائل الإعلام وشرح ما يخصّ قطاعاتهم بشكل مفصّل ودقيق..»، وفي الوقت الذي نجد فيه الكثير من الجهات في القطاعين العام والخاص تحث منسوبيها على النقد الهادف والبناء، وتشجّعهم على تقديم المقترحات والرؤى، التي تعتبرها مصدرًا ثريًّا لتقويم الأداء وتحديد نقاط الضعف في هذا الأداء من أجل التغلب عليها ويستثمرها في عمليات التطوير والتحسين ومواكبة دعوات التغيير هذه؛ طالعتنا بعض الصحف والمواقع الإلكترونية مؤخرًا، بقرار أثار دهشة واستغراب المهتمين والمتابعين وهو أن إحدى الجهات الحكومية منعت منسوبيها من تناول السلبيات والأخطاء إن مناهجنا التي يدرسها أبناؤنا تؤكد على قيم ومبادئ الشفافية والصدق والأمانة وحرية الرأي وغيرها، ولا شك في أن هذا القرار يتناقض مع ما نريد غرسه وتعزيزه في عقول أبنائنا،إضافةً إلى أنه يوجّه بطريقة أو بأخرى إلى السكوت عن الأخطاء.. بالنقد حتى وإن كان بنَّاءً، وحذرت من يقوم بذلك بالمساءلة والجزاء، وبغض النظر عن ماهية هذه الجهة فنحن معنيون بهذا القرار وأبعاده والآثار التي يمكن أن تترتب على تطبيقه، خاصةً ونحن نردد الأقوال المأثورة ومنها قول الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «رحم الله امرءًا أهدى إليّ عيوبي»، كما نقرُّ جميعًا أننا بحاجة إلى مَن يوجّهنا ويرشدنا مهما بلغنا من حِكمة وبلاغة ومهما ما حققنا من إنجاز، كما أن تناول بعض الأخطاء والسلبيات في أي جهةٍ يكون أكثر مصداقية عندما يصدر من المنتمين لهذه الجهة أو أولئك المتعاملين معها (وأهل مكة أدرى بشعابها)، لا سيما إذا كان في حدود النقد الهادف والبنّاء وليس بقصد الإساءة أو التشهير، بينما تطبيق مثل هذا القرار وإلزام الآخرين بسياسة «تكميم الأفواه» قد يؤدي إلى إحباط الغيورين منهم والراغبين في التحسين والتطوير وإطفاء شعلة حماسهم؛ علاوةً على هدم جسور الثقة واهتزازها بين قيادة المؤسسة من جهة ومنسوبيها والمتعاملين معها. ومن جهة أخرى فإن مناهجنا التي يدرسها أبناؤنا تؤكد على قيم ومبادئ الشفافية والصدق والأمانة وحرية الرأي وغيرها، ولا شك في أن هذا القرار يتناقض مع ما نريد غرسه وتعزيزه في عقول أبنائنا،إضافةً إلى أنه يوجّه بطريقة أو بأخرى إلى السكوت عن الأخطاء وبالتالي استمرارية هذه الأخطاء واستفحالها وهذا هو الروتين أو الجمود إن شئت ، كما أنه يعكس (وصاية على العقول والتفكير) ويؤدي إلى عدم تناول أي ظاهرة سلبية حتى وإن كان هذا التناول بحيادية وشفافية، وكذلك فإن الإعلام الحُر إن طبّق هذا القرار ما عاد حرًا بل أصبح يخضع للرقابة حسب الأهواء والأمزجة. وبعد هذا كله ما زال التساؤل مستمرًا، مَن هو المستفيد من هذا القرار؟؟.. وبرأيي ما زالت أيضًا هناك فسحة لإعادة النظر فيه لما يخدم مصلحة البلاد والعباد. والله من وراء القصد. تويتر: @fahad_otaish