كنت قد عرضت في مقال سابق (إيران : ومناورات ولاية 91 البحرية) والتي كنت أتطرق فيها إلى تحليل الرسائل التي كانت إيران تريد إرسالها من خلال مناورات ولاية 91 البحرية والتي غطت منطقة مساحتها نحو مليون كيلومتر مربع تبدأ من مضيق هرمز وصولا إلى شمال المحيط الهندي مرورا ببحر عمان في أكبر مناورة بحرية تغطي جميع أنحاء مضيق هرمز وكان مما تطرقت إليه هو أن هذه المناورات تزامنت مع تصاريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتكررة في أنه «مستعد إذا لزم الأمر» لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية وقلت ان هذه المناورات قد تكون جاءت أيضا كرسالة إيرانية إلى إسرائيل في أنها صارت قوة لا يستهان بها، وأنها قادرة على فعل أي شئ لحماية أمنها القومي. إلا أن كثيرا من الملاحظات التي قرأتها أو سمعتها كان يتجاذبها رأيان بما يتعلق بالموضوع رأي يرى أن إسرائيل جادة في الضربة وهذا الرأي متدثر بالغطاء الأيدلوجي في أن إيران تمثل الطرف الممانع والمناصر للقضية الفلسطينية. العلاقة الإيرانية الإسرائيلية مرت بمراحل عدة بدأت بالشراكة الاستراتيجية أيام الشاه مرورا بالتحالف من خلف الستار أو ما يطلق عليه (Distant alliance) عند مجيء آية الله الخميني إلى السلطة في عام 1979 إلى الحرب الباردة بين إيران وإسرائيل بعد 1991 وصولا إلى المواجهة Current Hostilities بعد حرب العراق 2003. وبالتالي فالعلاقة الإيرانية الإسرائيلية محكومة بمنطق المصالح الإستراتيجية لا بمنطق الأيديولوجية.ورأي يقلل من جدية إسرائيل في توجيه الضربة لإيران وهذا الرأي مستند إلى الخطابات التعبوية العدائية تجاه إسرائيل وأمريكا أيام آية الله الخميني والتي كان يقابلها في نفس الوقت شراء أسلحة إسرائيلية أيام الحرب العراقية الإيرانية . فالدور الذي يقوم به احمدي نجاد تجاه اسرائيل وامريكا هو امتداد للادوار السابقة. وبالتالي فالعلاقة بينهما هي علاقة تكامل وليست علاقة صراع. جاءت هذه المقالة لتفنيد هاتين الفرضيتين واللتين تهملان المسار الكرونولوجي للعلاقة بين إسرائيل وإيران. فالعلاقة الإيرانية الإسرائيلية مرت بمراحل عدة بدأت بالشراكة الاستراتيجية أيام الشاه مرورا بالتحالف من خلف الستار أو ما يطلق عليه (Distant alliance) عند مجيء آية الله الخميني إلى السلطة في عام 1979 إلى الحرب الباردة بين إيران وإسرائيل بعد 1991 وصولا إلى المواجهة Current Hostilities بعد حرب العراق 2003. وبالتالي فالعلاقة الإيرانية الإسرائيلية محكومة بمنطق المصالح الإستراتيجية لا بمنطق الأيديولوجية. ان الحديث في المقال التالي - مقال اليوم - سيكون مقتصرا على مرحلة الشراكة الاستراتيجية. وستكون المقالات القادمة بإذن الله استكمالا لمقال اليوم في الظاهرة نفسها. كانت مرحلة الشراكة الاستراتيجية أيام الشاه مرحلة محكومة بما يسمى العقيدة المحيطية أو التحالف المحيطي (The Alliance of the periphery or the Periphery doctrine ) . هذه النطرية أو العقيدة تم تطويرها من قبل ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، والمستخدمة أساسا نحو تركيا وإيران ما قبل الثورة. وتقوم هذه العقيدة على تطوير تحالفات استراتيجية وثيقة مع الدول غير العربية في الشرق الأوسط لمواجهة الدول العربية التي كانت في حالة حرب مع إسرائيل. ففي عام 1950 أصبحت كل من تركيا وإيران أول الدول المسلمة التي سعت لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. فقد تزامنت أهداف الحكومه الإسرائيلية في ذلك الوقت مع سياسات الحكومات التركية والإيرانية. فتركيا سعت إلى التكامل مع اقتصادات السوق الحرة والديموقراطيات في أوروبا، وهي عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والمرشح للعضوية في الاتحاد الأوروبي. كما كان شاه إيران حليفا رئيسيا للولايات المتحدة، الأمر الذي سهل الحوار بين إسرائيل وإيران وتركيا. وتطورت هذه العلاقة لاحقا بين إيران وإسرائيل إلى الشراكة الاستراتيجية. فقبيل حرب 1967 زار رئيس الوزراء الإسرائيلى ليفى أشكول Levi Eshkol إيران والتقى بالشاه من أجل التنسيق معه للحرب المقبلة ضد مصر ولتأمين احتياطات إسرائيل البترولية خلال فترة الحرب وبالفعل مع بداية عام 1967 كان لدى إسرائيل مخزون احتياطى من البترول الإيرانى يغطي جميع احتياجاتها لمدة 3 شهور. واستمر هذا الدعم طوال فترة حرب الاستنزاف من 1967 – 1970 حيث كان الشاه يواصل تمويل إسرائيل بالبترول الإيرانى. إلا أن قلب نظام شاه ومجيء آية الله الخميني للسلطة في عام 1979 مثل انتكاسة كبيرة للسياسة المحيطية. فقد قطعت إيران العلاقة مع إسرائيل وبدأ الخطاب الخميني بالدعوة إلى تدمير إسرائيل. إلا أن المقال القادم سوف يفكك ويحلل هذا العداء الأيديولوجي بين الثورة الإسلامية وإسرائيل وهل الصراع بين طهران وتل أبيب في جوهره أيديولوجي أم متعلق بالتحولات الكبرى في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة وما ترتب عليها من إعادة بناء المحاور والتحالفات بصيغة جديدة .