لم يكن لقائي بعبدالله بوخوه لقاءً عابرًا اقتضته رحلة بحثية في أعماق الأدب والفن الشعبي ودراسته دراسةً ثقافية، بل كان لقاءً وتواصلًا حقيقيًا بين جيلي وجيله، وعلى الرغم من تراكم السنين على أعبائه إلا أنني وجدته رجلًا مختلفًا عن كثير من كبار السن الذين أعرفهم وألتقي بهم، لقد اختصر (بوخوه) الحياة في ابتسامة ساخرة، ونكتة طريفة، وأغنية جميلة هادئة مطربة، وكيف لا يكون وعيه بالحياة هكذا وهو الرجل الرائد الذي جهله كثير من الناس في ريادته الفنية والتمثيلية، حيث يُعدّ الرجل أول مطرب شعبي من الأحساء يسجّل اسطوانات فنية، ويُعدّ من أوائل السينارست الشفاهيين حيث كانت له عشرات المؤلفات من التمثيليات والمونولوجات الاجتماعية ذات الصبغة الساخرة والمطعّمة بالضحك والفكاهة، بل لقد كان لتمثيلياته حظ كبير من الرواج إبان مجد التسجيل عبر اسطوانات القار وذلك في بداية الأربعينيات من القرن العشرين. شهد «بوخوه» الحركة الفنية في الأحساء منذ أن كان الناس لا يعرفون الآلات الوترية كالعود والكمان، بل كانوا يضربون على الإيقاع والدنابك، ولم تكن الإيقاعات متوافرةً، وذلك بسبب التحرّج والمنع الذي كان سائدًا وقتها، ومع ذلك فقد ابتكر الأحسائيون العديد من الآلات البديلة من أجل الضرب على الإيقاع.شهد بوخوه الحركة الفنية في الأحساء منذ أن كان الناس لا يعرفون الآلات الوترية كالعود والكمان، بل كانوا يضربون على الإيقاع والدنابك، ولم تكن الايقاعات متوافرةً، وذلك بسبب التحرّج والمنع الذي كان سائدًا وقتها، ومع ذلك فقد ابتكر الأحسائيون العديد من الآلات البديلة من أجل الضرب على الإيقاع، ومنها أنهم كانوا يضربون على علب (الشباريت) وهي علب أعواد الثقاب، وكانوا يضربون على أسطوانات القلن والنحاس وبعض الأعواد الخشبية الطويلة، ومع هذه الابتكارات الخارجة عن نسق الممنوع إلا أن عبدالله بوخوه لم يكن مقتنعًا كثيرًا بفكرة البديل والممنوع، فقرّر قراره السفر إلى البحرين ومن هناك بدأ يمارس حرفته في عمل (القياطين) ومنها للولوج لعالم الغناء الشعبي بكل حرية وارتياح، وكان له ما أراد فسجل العديد من الأسطوانات التي أذيعت في إذاعات الأهواز والبحرين ودلهي. وليس هذا فحسب، بل كان لمعرفة عبدالله بوخوه بالعديد من فناني البحرين المشهورين أمثال يوسف فوني وعبدالله أحمد وعلي خالد وغيرهم بادرة للتواصل الشعري والفني بين الأحساء والبحرين، فعبدالله بوخوه هو وسيلة الربط بين البلدين فنيًا، حيث كان هو الذي يجلب قصائد الشاعر الشعبي الأحسائي حمدان بن ناصر «يرحمه الله» ويعرضها على مطربي البحرين وقد ضربت تلك القصائد ضربة نجاح معهم كأغنية: يا سعدي أنا الليلة.. وأغنية يقول حمدان.. وحبيبي ودي اشوفه.. ويحيى عمر قال قلبي بالهوى مغرم وكثير من القصائد التي ضمنت الشهرة الواسعة ليوسف فوني وعبدالله أحمد في وقت كان فيه المطربون البحرينيون يغنون القصائد القديمة والمستجلبة من أشعار الفنون اليمنية. رحمك الله يا أبا عبدالرحمن وأسكنك فسيج جناته، واعلم أننا على العهد باقون، ولنا لقاء رائع وجميل في جنات ربنا رب العالمين. @saldhamer