الحديث عن الفنان عيسى الأحسائي، لا بد أن يكون "دراميا" كيف إذا كان على لسان أحد غرمائه التقليديين، ألا وهو المطرب الشعبي الكبير طاهر بن علي الأحسائي والذي يروي في هذا الجزء تفاصيل "حساسة" مشوقة من أيام المنافسة الفنية بينه وبين عيسى بن علي. وحول مجموعة محاور من سيرة صاحب أغنية "ياناس حالي" نختم هذا الحوار مع الفنان طاهر الأحسائي: *ماذا لو تحدثني عن تجربك مع غناء "فن الصوت" الخليجي؟ -أجل، كنت أغني الصوت ومن بينها الأغنية التي يحبها حمد المرزوق (مال غصن الذهب) أو (الله اليوم). فإذا ما غنيتها.. انتشى الجمهور طربا وكذلك حمد المرزوق. أما بالنسبة لفن الصوت فهو له رنة خاصة ولا أحد يستطيع أن يتقنه بسهولة. في المنطقة الشرقية لا يوجد فن صوت.. "إذا في البحرين، ممكن" والبحرين هم أهل الصوت، وأنا أخذت الصوت، هواية ثم تحولت إلى حرفة. كنت أقول: هذا الصوت يجب أن أتعلمه. *إذاً، كان فن الصوت بمثابة الجرعة الطربية بالنسبة للفن الشعبي؟ -أنظر، في دور الطرب الكبرى إن كان هنا أو في الخليج.. لا يحبون إلا الصوت، وإذا جاءهم الفنان قدموا له "المراويس" (طبلات فن الصوت) قبل "البستات". وفي الخليج، من لا يغني صوت لا يعد فنانا شعبيا. *أنت غنيت في الجنادرية.. وحفلتك الأولى هناك لا يزال الكثيرون يتذكرونها؟ -حمد المرزوق (مداخلا): في أيام الجنادرية.. إذا غنينا "فن الصوت البحري تعال وشوف"، كان المسرح يمتلئ من الجمهور وكانوا يحملون طاهر من شدة المحبة والإعجاب. -أجل، كانوا لا يدعوني أغني من الزحام. *ومتى بدأت غناء الصوت؟ -في بدايتي الأولية. *متأثرا بمن؟ -لا.. كنت متأثرا بالشباب الذين أجلس معهم. (مستطردا) أنت تعرف أن الإنسان يسمع كلام حكومته.. وممنوعٌ أن نختبيء، عن أن يعرف عنا أحد،.. ولكن كنا نخرج إلى النخيل أو نسمر في البر، وإذا أذن الأذان رجعنا، ولم يكن لدينا شيء، كنا فقط نغني "نوسع صدرنا؛ ولكن ممنوع، لازم تسمع الكلام. *هل كان الغناء كان ممنوعا؟ -نعم لأنه كان ممنوعا. *تقصد قبل أيام الملك سعود؟ -أجل. قبل. حكم الملك سعود "الله يسكن روحه وأرواح ملوكنا الجنة والمسلمين" ولقد فرحنا كثيرا أن فسح لنا بالفن وأن صار بالإمكان لنا أن نغني. *كنتم تسمعون فن الصوت عبر اسطوانات؟ -لا. بل عبر الراديو، كنا نسمع ل بن فارس، ولمحمد الزويد، وضاحي بن وليد. الجمهور كان صاحب ذوق، وكان يحب الفنان الذي يقدم فن الصوت وكذلك الفنانين مثل الفنان حمد المرزوق الذي إذا ما مسك الكمان "يخليه يصيح", تقاسيمه على الكمان ساحرة بحق وخطيرة؟ حمد المرزوق: (معلقا) هذا في أول أما الآن "خلاص شيبنا". طاهر: الفن..الكل يحب الفن، ولكن كن نظيفا.."الحاجة الوسخة" تجنبها عندما تقرر الغناء!. وهذا أهم أمر. *ماذا تقصد "بالحاجة الوسخة"؟! -أي الكلام "الموبزين". *حسنا.. هل مات الفن الشعبي؟ -الفن الشعبي لم يمت، ولكن لا يوجد فنانون له.. الفنانون الموجودون فقط للبستات (أي أن عازفي آلات الفن الشعبي لم يعودوا موجودين). حمد المرزوق: الذي أثر على كل هذا، ظهور آلة (الأوارغ) لقد أُستغني عن أمور كثيرة، لأن الأورغ فيه كل الآلات. كان الفنان في السابق، لا يستطيع الاستغناء عن الكمنجة والإيقاع. أما الآن الأورغ قد يكفي مع الفنان الشعبي. *في فترة السبعينيات من هم أهم الفنانين الذين كانوا متواجدين معك في الساحة وكان بينك وبينهم منافسة؟ -عيسى بن علي، هو عيسى الأحسائي درس عندي وأنا علمته. *ماذا علمته.. العود؟ -أجل، أول بدايته تعلم في الدمام، وبعد انتقالي الأحساء بعد أن "تعور" سهيل(منتج الاسطوانات:انظر الجزء الأول)، بعد انتقالي نقل هو ورائي إلى الأحساء، وأتم تعليمه الفني في الأحساء، وبقي معي ثلاث سنوات كمنجي. *تعني أنه كان يعزف لك كمنجة؟ -أجل، في الأعراس. وفيما بعد استأذنني وقال: عن إذنك سأصنع لي فرقة خاصة، فقلت له: "الله وياك". وفيما بعد، تحداني (الله يرحمه). *كيف تحداك؟ -نعم (يضحك مبتسما). "شلت عقارب علمتني وعضّني.. ندرسه نحن. ولكن لم يفز. "قفر على روحه خليته يقفض أغراضه من مغرب.. أفا عليك، قلت يا شيخ لو أتوفى بكره، ما يمكن يفوز على طاهر". وأتذكر أن أحد الكمنجيين الذين معي دخل علي وقال: "يقول لك عيسى بن علي خذ عن روحك" أي أن "نتجاكر" (نتبارز) في الغناء.. ومن يغلب هو الفائز وهو لديه مكبرات صوت وعنده كامل المعدات. وأذهب واشتري ميكرفون (محقان) ب"920" ريالاً. وأتذكر في ليلة العرس، قال أحدهم: "اتركوهم هذولي "يتجاكرون"، واحد من الهفوف وآخر من المبرز ولا يكون راعي الهفوف يطرد راعي المبرز"وطيرته تطيير ياشيخ". *أين حدثت هذه المبارزة بينك وبين عيسى الأحسائي؟ -شمالي المبرز.. في السياسب، في حارة وشارع واحد وليلة واحدة كنا في بيتين متقابلين "يم.. يم..ما فيه". وقد قلت: "والله لا أريد أن أضره يا أولاد الحلال، فقال أحد "المروسين" لدي، أنت واحد ونحن تسعة، مستعدون أن نتركك ونمشي، "تخلي هذا – أي عيسى- يتفلفس علينا هال.. طيره، أمسك عودك بس" وأمسكت عودي وسندوني على الجدار، وصعد واحد من الفرقة وجه السماعة "المحقان" نحوهم. إلى درجة أن شخص كان قد جاء من الهفوف، قال: والله كنت أسمعكم من الطريق وأنا قادم". *ولكن رجعت علاقتكم وتحسن فيما بعد أنت وعيسى؟ -أجل، وأتذكر عندما جاء عيسى بن علي لإحياء حفلة عرس ابن أختي واصل، وكنت قد "تزاعلت" مع واصل، وقد أقيم في نفس الوقت عرس للدريع وقد كان الدريع قد أحضر طاهر بن علي. وكانا العرسين بجانب بعض. وهنا قلت لعيسى: "ها ياعيسى هانحن في عرسين "يم يم" هل تريد مثل الأول. فقال: لا، كلانا مع بعض. وجمعنا "المعاريس" مع بعض وغنينا معا في عرس الدريع وابن اختي". *صحيح أن عيسى ظهر بعدك ولكنه اشتهر كثيراً؟ -لأنه غنى أغاني خالعة,و قد أحضرت لي هذه الأغاني قبله ولم أغنها. عيسى بن علي الاحسائي»رحمه الله» *من أحضرها لك, هل هو استديو العبندي كما قال لنا مطلق دخيل في حديث صحفي سابق؟ -لا. شخص من الرياض. وأنا لا أغني هذه الأغاني، أنا أغاني كلها نزيهة، لقد أخطا عيسى وهي غلطة واحدة وتكررت، وتعرف "الجهالة" تغلطه ولكن لا يستمر، كلمة واحدة في أغنية واحدة، وكفى لا تعيدها ولكن عيسى. كأن يغني: (عند باب المدرسة شفت الغزال) و(أنا ودي إذا ودك) و على ما أتذكر (مابين الفستان الحمر). وكنت قلت له: يا عيسى حرام عليك. فقال: "ما يقص الراس إلا الي ركبها". *هل كان يبحث عن الشهرة؟ - الفنان لا تنفعه غير الشهرة، بس ما تقوله الشعر وتدخله السجن. *هذه الأغاني أدخلته السجن؟! -أنا أدخلتني السجن والسبب هو(عيسى الأحسائي), افتكروا أن الأغاني لي. وهو "انحاش الكويت"، وقلت لهم هذه الأغاني ليست لي، وإنما لعيسى بن علي. فقالوا لي: كلكم أحسائيون.. وانتم من "حمولة" واحدة (عائلة واحدة). فقلت: لا، أنا الأحسائي من قبله وقد علمته وظهر، وكلانا الأحسائي والله قد وفق وجاءت أسماء الأباء متشابهة. وهذا ما حد وقد ذهبوا وأحضروه من الكويت. "الله يرحمه.. راح". *وكيف وضعك مع المرض؟ - يعافيني رب العالمين. *لمن توجه العتب على وضعك ووضع الفنان السعودي؟ -والله يا أخي.. أوجه لمن؟ *وزارة الثقافة والإعلام مثلا؟ -وزارة الإعلام يفترض أن تبحث عن الفنان، فلو الشخص رمى نفسه عليهم لربما قالوا لا نريدك.. يفترض أن يبحثوا عن الفنان.. وأن يسألوه مايريد وأن يقدموه للتلفزيون. *على ذكر التلفزيون، أنت ظهرت في تلفزيونات خليجية..كتلفزيون قطر؟ -(منشدا) أنا وين الله رماني في قطر/ لين شفت الزين مهيوف الخصر/ ساكن الريان جا بعد العصر/ رايح الدوحة بموتر هوزنوبيل..وأكملها(مبتسماً). *أنت تكتب شعر ايضا؟. - أجل أكتب. *ومن أشعارك ماذا تتذكر؟ -كثيرة منها "يقول منهو مبتلي في غزاله، راحت وهو ملقي على الارض مطروح/ لايشرب الماء ولا أكله هناله/ مسكين من يوم مبتلي صار مجروح/ جرحني بحسنه وحبه ودلاله لا غاب عني/ صرت أنا دايم آنوح، نوح طير مضيع عياله/ يوم قال محبوبي انا اليوم باروح أنا الله يصبرني وارتميت بخياله/ شكواي لله ياعرب وين باروح/ أقوم وأقعد وافتكر في جماله/ حتى برط حالي للهواجيس والنوح/ خليك مثلي والمحبة عدالة/ ارخصلي بروحك وأنا أرخصلك الروح/ المستريح الي حبيبه اقباله/ يقضي بقايا العمر في ضحك ومزوح/ والي مفارق صاحبه عزته/ لوكان يبكي ياهل العرف مسموح". *المحرك الأول للفنان هو طبعا الحب؟ - أكيد إذا كان قد حب. *الحب.. ماذا فعل بك؟ -"بغى يجنني" كان هذا في شبابي. *تذكر القصة؟ -القصة أنه – الحب- خلاني "أهومي" في الشوارع، لأني كنت أحرس الي كنت أحبه، لا يغلط "يروح منه والله منه.. تقول جني أنا اباريه". *الله.. يعني حب من بعيد لبعيد؟ -من بعيد "وحس اني اباريه من بعيد فخاف، وصار مايطلع من البيت نهائيا".. كانت قصة جميلة. ..(يأخذ نفسا) سنوات راحت وانتهت ومرت أكثر من خمسين سنة. *كان أول حب في حياتك؟ -أجل، كان أول حب. *لا تزال بعد ستين عاما، تتذكر أول حب؟! -إلى أن أموت "لأن ما عمري حبيت، إلا هذا الحب".. أحببت عيالي وزوجتي..الخ. *ولكن يبقى حب بنت "الفريج"؟ -هذا كان قبل أن أتزوج، الحب.. كل شخص يحب ومن لا يحب ليس له قلب. *أنت ولدت هنا أو في الأحساء؟ -أنا ولدت في الأحساء ولكن عشت هنا (الدمام) أكثر من هناك. *ماهو سبب قدومك مع العائلة إلى الدمام؟ -سبب قدومي هو "المطاوعة" لأنهم "لعوزوني كل ما صار شيء طقوا علي الباب: وش غنيت وش سويت وش عملت. فقلت: أنا مالي ومال خط المعلق، شسوي أقعد هنا(الأحساء)، هذول أذوني وأشغلوني وساعات يأخذوني ويودوني معهم المكتب، شتبون مني طيب، نعم غنيت"؛ لقد غنيت وعمري "35" عاما ولدي اسطوانات هل لديكم شيء "ماسكينه عطونياه.. الي مغني عيسى بن علي وموب أنا, وأوقفت "14" يوميا في الشرطة. وعندما جاء المدعي العام، فقال: هذا لا عليه شيء - أي طاهر- وإنما أريد صاحب أغنية (عند باب المدرسة شفت الغزال) وأغنية أخرى. *تعني أنك خرجت من الأحساء على أثر ملاحقة أغاني عيسى المعروفة؟ -أجل. هنالك أغاني "موبحلوة اطلعت حق عيسى"، وفي هذه الفترة خرجت من الأحساء وجئت هنا (الدمام) ونجحت. *أنت كنت متزوج وقتها؟ *كنت متزوجا "وعندي ثنتين". *الم يكن لديك طموح أن تعيش وقتها في البحرين أو الكويت؟ -"والله كان عندي ولكن الوالدة الله يغفر لها.. ما أطير وهي قاعده. لو كانت راضية تطير معاي جان رحت الكويت. أحدهم في الإمارات قال لي تعال وتعطى بيت وسيارة وتصبح فنان إذاعي في التلفزيون. ولكن الوالدة "دقرت" ورفضت ولا أقدر أن اذهب وأتركها".. هذه أمي ما تركتها ولو أكلت خبزا يابسا رحمها الله. أنا أحترم أمي جدا، أبي مات وأنا طفل. وأتذكر أن الوالد كان يذهب إلى النخيل ويعملون هناك وكنت أرقى على النخلة فوق وأغني يا عين ياليل أو أغني أبوذية للمطرب لداخل حسن أو حضيري بوعزيز. حيث يقول: بدال الدمع الي دم يجفون على الي راح وماظن اليوم يجفون. ويلعلع بهذا الصوت طاهر بن علي وهو صغير. وإذا بأحد "الرجاجيل" يقول للوالد: "هذا ولدك إذا كبر يا يطلع ملا، يا يطلع مغني.. عازف الكمان حمد المرزوق برفقة طاهر خلال الثمانينات طاهر في حوار ل»مساحة زمنية»