لو صدقنا كل من يقول بأنه يبدأ يومه بالاستماع إلى فيروز و(احتساء) الاسبرسو، لوجب علينا ألاّ نكذب ما تراه عيوننا وتنخطف أمام هوله قلوبنا من سرعة جنونية وحوادث مرورية يومية قاتلة. ولو أخذنا على محمل الجد كل من يعدّد مآثر الإفطار بالدونات والكب كيك على خلفية (الغِنيات الفيروزية) لصار لزاماً علينا أن نرثي لحال الفوّالين وأصحاب البوفيهات التي تقدم سندوتشات البيض بأنواعه والكبدة والكلاوي. بل يجب أن نتعطّف على الفنانين الكاسدة ألبوماتهم ونشتريها ولو من باب الصدقة. إن الادعاء بالانتماء إلى نادي فيروز الغنائي، مجرد عرض مرضي من أعراض الذات الافتراضية، التي تخلت عن الواقع لتعيش الوهم، بعد أن اختلقت شخصية بديلة تندس بها بين الجماعات المتشاوفة. وهذه كذبة آخذة في التدحرج ككرة الثلج. إذ لم يعد التمسُّح بفيروز حالة اكسسوارية خاصة بالمثقفين، بل صارت لازمة لفئات وشرائح تجد في الفضاءات الاجتماعية محلاً لاستعراض ادعاءاتها. لا نسمع في السيارات التي تجاورنا في إشارات المرور، ولا تلك التي تتجاوزنا بمنتهى السرعة إلا الأغاني (النقازية) الراقصة الصاخبة. ولكن ما أن نرافق أحداً ما في سيارته حتى تصدح فيروز. ففي درج سيارة كل مدّع شريط أو سي دي احتياطي لفيروز، لا يستعمل إلا عند الحاجة أو الضرورة. والحاجة هنا تعني إيهامنا بترفُّع تلك الذات عن كل أنواع الطرب واعتناق الفيروزيات. بدون إفطار يخرج الموظف من بيته على عجل. وعند أول بوفيه يختطف حزمة من سندوتشات الفلافل البائتة وكوباً ورقياً من الشاي العدني. ثم ينهب الشارع نهباً وهو يقلب المحطات الإخبارية بلا تركيز. وما أن يصل إلى العمل حتى يستخرج جهاز كمبيوتره وآي فونه وشخصيته الجديدة أيضاً. لينقطع عن كل ما حوله من وقائع، ويستل لا نسمع في السيارات التي تجاورنا في إشارات المرور، ولا تلك التي تتجاوزنا بمنتهى السرعة إلا الأغاني (النقازية) الراقصة الصاخبة. ولكن ما أن نرافق أحداً ما في سيارته حتى تصدح فيروز. ففي درج سيارة كل مدّعي شريط أو سي دي احتياطي لفيروز، لا يستعمل إلا عند الحاجة أو الضرورة. والحاجة هنا تعني إيهامنا بترفُّع تلك الذات عن كل أنواع الطرب واعتناق الفيروزيات. صورة رومانسية من النت لفنجان اسبرسو. ويرفقها بأغنية فيروزية ناعمة ، ليحضر بها في (تويتر) أسوة بأصدقائه وصديقاته. أما المرأة الموظفة، التي لا تتناول أي طعام لزوم (الريجيم) فتقضي المسافة إلى عملها في التأكد من زينتها، أو مهاتفة صديقاتها. والتأفف من سرعة سائقها ورائحته. حيث تعبّر عن ضيقها بأوامر متلاحقة لتغيير محطات الإف إم، بدون أن تستقر على أغنية أو محطة. في الوقت الذي تستل هي الأخرى، عبر آيفونها، صورة لطبق من الميني كب كيك، وفنجان كابوتشينو، لترفقها بالكذبة الفيروزية التي تحاول من خلالها خداع أصدقائها وصديقاتها في الفيس بوك. لا عيب في أن يبدأ الإنسان يومه بتُميرات وفنجان قهوة عربية، وبدون أي أغان أو موسيقى. وكم هو مبهج ومشّهٍ منظر تلك الطوابير المصطفة عند الفوّالين. ولكن يبدو أن المصابين بالاستلاب يعتقدون أن كل تلك الشعبيات عورات. وأن من يتعاطى أي شيء من المتعلقات الإنسانية القديمة من الملابس والأطعمة والأنغام يمكن أن يُتهم بأن ذوقه (بلدي) وأن مزاجه لا يرقى إلى مستوى العصر. وبالتالي لا يمكن أن يُقبل في الفضاءات الاجتماعية التي تعكس حالة حضارية متقدمة. إن بعض أولئك الذين حملوا فيروز كتعويذة يومية، قد لا يعرفون منها إلا (دخلك يا طير الوروار) وما يشبهها. وربما لم يأتلفوا بموشحاتها وأغنياتها الوطنية وتراتيلها الروحانية. بمعنى أن فيروز لا تصلح لكل لحظة. وقد تكون بعض أغنياتها غير مناسبة للصباحات. تماماً كما أن الشاي بالنعناع أو الحليب بالزنجبيل قد يكون أجدى في الشتاء من جرعة البُن الاسبريسوية. تستحق فيروز بالتأكيد أن تتحول إلى محطات غنائية يومية مبثوثة بواسطة معجبيها. كما لا يمكن لأحد أن يجادل في شعبية القهوة كمشروب وثيق الصلة بالمزاج عند كل الشعوب. ولكن أن تكبر الكذبة إلى الحد الذي يدعي أحدهم أنه يضبط استيقاظه على استريو يصدح بصوت فيروز، في الوقت الذي تنبعث فيه رائحة القهوة من (الكوفي ميكر) المضبوطة بدورها على نفس التوقيت. فهذا ما لا يمكن تصديقه أو احتماله. [email protected]