كما أنَّ لكل دولة من دول عالمنا المعاصر ملامح وسمات طبيعية وحضارية، يمكن القول على وجه الاجمال أن لكل دولة توليفة من الشِعر والموسيقى تخرج للوجود بقرار سياسي وطني، هذه التوليفة هي ما يعرف بالسلام، أو النشيد الوطني للدول. وتختلف ظروف نشأة مفهوم السلام الوطني من دولة إلى أخرى، فمنها ما ينشأ في المحن والازمات، والبعض الآخر في الاحداث التاريخية المهمة، وهناك منها ما يأتي مع ظروف الاستقلال وامتلاك الارادة الوطنية، والتغني بأمجاد الاجداد المؤسسين وكفاحهم. الشيء الذي تجمع عليه شعوب الارض تقريباً هو النظر دائما للنشيد الوطني على أنه رمز جدير بالاحترام والتقدير، وباعتناء الاجيال المتعاقبة بأدوات النشيد الوطني أي الكلمات و اللحن وترديدها في المناسبات الوطنية، يصبح لذلك النشيد تأثير انفعالي ايجابي في مشاعر الناس، ومن أغرب القصص الجديرة بالملاحظة قصة النشيد الوطني الليبي، المسمى بنشيد «نجمة وهلال» وتكمن الغرابة في أمرين اثنين، الأول أن هذا النشيد اعتمد نشيداً وطنياً إن الابداع بعد مشيئة الله تعالى لا يمكن للقمع ولا للتعسف محوه من ضمائر الناس، متى ما آمنوا أن كل اشكال الجور والتعسف والقهر ليست إلا محطات طارئة يجب التماهي معها ولكن لا يجب التسليم بأنها قدر في حياتهم. للمملكة الليبية المتحدة بقيادة الملك محمد إدريس السنوسي أول حاكم لليبيا بعد الاستقلال عن إيطاليا وعن قوات الحلفاء في 24ديسمبر من عام 1951م. واستمر العمل بهذا النشيد في المناسبات الرسمية والحياة العامة إلى ما يقرب من خمسة عشر عاماً، وجد فيها نشيد نجمة وهلال طريقة إلى قلوب ملايين الليبيين نظرا لرقة كلماته الشعرية، و للحنه الحماسي وبالمناسبة النشيد من تلحين موسيقار الاجيال الدكتور محمد عبد الوهاب . ولأنه أي النشيد يتحدث بعذوبة عن معاني الفداء وحب الوطن واحترام القادة والاباء المؤسسين الذين بكفاحهم ينعم الابناء والاحفاد بالاستقلال. ولكن السياسة وبعض السياسيين لا يعترفون برقة الأشعار وسمو ما تتحدث عنه من معان ولا بالموسيقى وعذوبتها، وفي العام 1969م والملك الليبي الذي يصفه معظم الليبيين إلى اليوم بالملك الزاهد كان في رحلة إلى تركيا، كما تذكر المصادر التاريخية، أُعلن عن قيام ثورة الفاتح من سبتمبر بقيادة معمر القذافي، وعلى مدى أكثر من أربعة عقود ظل حنين الناس لنشيد نجمة وهلال، ولكن السياسية حكمت عليه بالنفي المؤقت، حيث عاد النشيد بكل ألقه بإصرار منقطع النظير من ثوار2011 الذين انجزوا ثورة 17فبراير. وهذا ربما لان الشعر والفن وذاكرة وروح الشعوب لا يمكن التلاعب بها كل الوقت. الأمر الغريب الاخر حول نشيد نجمة وهلال، أن كلماته العذبة صيغت من قبل الشاعر التونسي البشير العريبي وفاز شعره حينها سنة 1955م في مسابقة شعرية بحثت عن أجمل أشعار يمكن ان تصبح نشيداً وطنيا للملك الفتية، وكان الشاعر العريبي حينها في مقتبل صباه، وفي لفتة انسانية تم تكريم الشاعر من قبل وزارة الثقافة والمجتمع المدني الليبية وقد تجاوز العقد الثامن من عمره المديد وسمع شعره العذب تردده الحناجر بعذوبة وحبور. في كل المناسبات الرسمية والوطنية في أعقاب الثورة. هذه القصة البسيطة في شكلها السردي العميقة في مضمونها الفني والابداعي تؤكد ما أؤمن به دائماً أن الابداع بعد مشيئة الله تعالى لا يمكن للقمع ولا للتعسف محوه من ضمائر الناس، متى ما آمنوا أن كل اشكال الجور والتعسف والقهر ليست إلا محطات طارئة يجب التماهي معها ولكن لا يجب التسليم بأنها قدر في حياتهم. تويتر: @salemalyami