بعد مرور سنوات على انطلاق احتفالية مهرجان الجنادرية كان الجميع يتفق على أنها ستواجه سؤالاً تجديدياً ينقذها من الوقوع في دائرة التكرار، وتتالت الاقتراحات عليها من كل حدب وصوب، من دون الوصول لحل يرضي جميع الأطراف، إلا أنني أظن أننا في احتفالية الجنادرية في يوبيلها الفضي يجب أن نعترف بأن هذه الاحتفالية هي نشيد وطني ثقافي يجب أن يُقبل بهذه المواصفات وعدم المبالغة في التوقعات. فهي احتفالية غنائية طابعها الفرح، تجمع القائد بشعبه وضيوفه من المفكرين والمثقفين، ويجب ألا نبالغ في أن نطلب منها أكثر من ذلك، هي احتفالية شعبية سيطيب للشعب السعودي أن يعيدها لأنها أغنية وطنية تشبه نشيداً وطنياً لا بدّ له أن يحضر بالأزياء ذاتها وبالرقصات الشعبية والنشيد العذب وصور التجمع الوطني من الجنوب للشمال ومن الشرق للغرب. صعب أن تغير الملامح الفلكلورية المحلية، وصعب ألا ترى خطوة أهل الجنوب، وعرضة نجد ودحة أهل الحسا، إن لم تَرَ كل هذا شعرت أن النشيد ناقص. احتفالية مهرجان الجنادرية ستظل هي ذاتها ويجب قبولها هكذا نشيداً عذباً، وأصواتاً غنائية سعودية لازمت تطور الأغنية السعودية ورسخت حضورها الفني، وثياباً يغير الزمن قليلاً في طول كمها أو نقشها وعرض ياقتها لكنها تظل ثوباً فلكلورياً يستطيع المشاهد تمييزه. احتفالية الجنادرية الفضية بالأمس تميزت بعذوبة الشعر، لكن لحنها الوديع الجيد، لا يلائم احتفالية مليئة بقصص الفخر والحرب والعزم والرقص المنتشي بالحياة، كانت إيقاعاته الموسيقية عذبة وهادئة كصاحبها الموسيقار الوديع ماجد المهندس، لكن يبدو أن ناصر الصالح قد تكاسل في وضع بصمته، وقد جاء إدخال صوتين نسائيين يغنيان مثل مرور حلم يرتسم في عقل نسائنا بأن يصبحن كما غنت يارا شقائق للرجال، لكن هذا الحضور بدا في هذه الاحتفالية حلماً ناعماً لا يتوسل غير الرحمة بدلاً من امتشاق رمح الحق والشجاعة التي تحلت بها نساء هذا الوطن بدءاً بنورة بنت عبدالرحمن وانتهاء بخولة كريع وغادة المطيري وحياة سندي وكثيرات يشاركن في خوض هذا الحق، النشيد كان مميزاً بأفكاره ومعاصرته للقضايا الفكرية التي يعبّر عنها خادم الحرمين الشريفين في سياسته الرشيدة، وحكمه العادل. طول الخطابات التي سبقت الاحتفالية، اعتبر نقيصة في حق هذا الجهد المنظم، كما أن إشراف شركة ضخمة مثل ال«ام بي سي» على هذه الاحتفالية زاد من حرفية العمل، لولا أن النقل التلفزيوني لا يزال ضعيفاً قياساً بضخامة مثل هذا العرض، كما لا أدري من هو المسؤول عن هذا التغير الواضح في الرقصات التي جاءت لغير صالح الفن الشعبي واستبدالها برجال يتشقلبون، وتبدو حركاتهم مثل أداء رياضي خال من روح الفن الشعبي بعيداً عن روح الرقصات الفلكلورية التي عرفناها في فنوننا الشعبية، بل حرمتنا من انسيابية الراقص المحلي ومن صور رقصه الجميل في مقابل شقلبات في الهواء لم تعبّر عن شيء. إن هذه الاحتفالية نريد لها أن تستمر لأنها عرس سنوي يجمع القائد مع شعبه وضيوفه بالبسمات ويودعهم بالقبلات. [email protected]