هل هجرت المرأة الشعر إلى الرواية ،ولماذا ؟ألم تجد المرأة في الشعر إلّا بوْحاً ذاتياً يُعبر عن حالة داخلية ،ولا يصِلُ صداها إلى الرجل ،ولذا بحثت عمّا يأسره ويمنحها ألف ليلة من حكاياها في حياتها ووجودها؟ وهل وجدت في العودة إلى الحكاية مساحةً للبوح لم تجدها في الشعر ؟ أسئلة عديدة طرحناها على بعض النقاد والكاتبات انطلاقاً من انتشار الروايات النسائيه في المملكه وبروز الأنثى الروائية وتفوّقها أحيانا.. فضاء البوح يرى د.عالي القرشي أن الحُكم بالاتجاه إلى الكتابة في نوعٍ أدبي دون آخر ،حُكمٌ يحتاج إلى تأنِّ ذلك ،لأنّ لدينا الكثير من الكتابات الإبداعية للمرأة قد لاتكون أخذت حقها كما هو الحال في الرواية ،فقد تكون هناك كتابات شعرية عبْر النت وعبْر الصحافة المحلية وعبرَ المنتديات الأدبية، ولكنها ليست ظاهرة مثل ظهور الرواية، ثم أن المَيل إلى كتابة الرواية لدى المرأة يبدو لي أنه بسبب رغبة المرأة أن تخلِق لها فضاءً من البوح حتى يخرجها من المآزق الضيّقة والعوائق التي تكتنفها ولذلك كثُر بَوحُها في الرواية أكثر من بوحِها في الشعر ،لأن البوح الشعري عبارة عن أسئلة الذات للآخر ،ولمّا كان الآخر لايسشعر المرأة معه بمساحة البوح اتجهت أن توجِدَه وتسيطرَ عليه في عالمها . عصر الدراما وتقول د. إنصاف بخاري: بأنّ الرواية الحديثة ارتبطت بعنصر الإثارة والحب الأكثر رواجا وتأثيراً في توزيعها ومبيعاتها وعدد قرائها، والقلمُ النسائي قلمٌ متجدِّد في الحضور الأدبي العربي، وتتساءل، مِن أين إذاً تنبثق الدهشة والتساؤل مادام الوقت الراهن هو زمن الدراما ،وتضيف :»عموما .. الحياة التي نحياها بمشاهدها والتي نطالعها ماهي إلا دراما بل رواية متشعبة ومعقدة، وأضف كون الرواية النسائية بقلم نسائي وتعتمد على عنصر الإثارة ولا سيّما إنْ اتكأت في تحقيقها على القضايا العاطفية أو الجنسية ذات الحساسية في الطرح أو تلك التي تجنح الى المبالغة أحيانا في كشف السّوْءات وتصوير العلاقات المعيبة والسلوكيات الخاطئة، وإن كان ذلك بهدف آخر، ألا وهو معالجتها أو تغييرها .. فهذا في حد ذاته عاملُ جذبٍ يناسب التركيبة النفسية لإنسان هذا العصر». وتتابع «بينما الشعر يعتمد على عنصر الدهشة وليس الإثارة ، عنصر الدهشة الناتج عن العلاقات اللغوية الثرية والمذهلة في القصيدة فالتصوير في كلا الجنسين الرواية والشعر يمتاح من معين مختلف ،وإن كان التلاقي في الأهداف أخيرا، فكلاهما يهدف إلى كشف سلبيّات الواقع أو الإنسان عامة للحدِّ من السلبي المرفوض ودعم السلوك الإيجابي المأمول ،ويظلُّ لكلٍ مجاله وتقنياته ونهجه . لا يوجد هجر للمرأة من الشعر بهذا المعنى ،لكن الرواية أصبحت تعطيها مساحة أكبر للتعبير عن همومها والبوح عن ذاتها، وتعطي مجالاً أوسع للقارئ ليفهم مشاعر الكاتب . زمن الرواية وتتوقف د.فاطمة القرني حول مفهومي (الحضور) و(الغياب) اللذين تخلّلا سياق التساؤل ،وهي وقفةٌ –كما تقول- مكرٌرةٌ سبقتها وقفاتٌ من قبلها حول غزارة الإنتاج الروائي لدينا من حيث «الكم» على حساب «الكيف» ،أي عدداً لانوعاً أيام شاع ذلك التقرير الواهم الذ ي أعلن أن زمننا زمن الرواية لازمن الشعر وتقول :» إلى يومئذٍ كتبت عن ذلك «الهذيان» الروائي الذي تردى أحيانا إلى درك «التخريف» الإبداعي المستعصي في المحصّلة عن تصنيفه تحت أيّ جنسٍ أدبيّ يستحق الإشادة، ويومئذٍ أيضا كانت أسماء الكُتاب من الرجال هي المتسيدة في هذا المجال والحق .. أنّ الحال لم تتغير كثيرا من حيث «عبثية» الأداء «وعشوائيته» المرأة في ساحة الشعر ،فمع عدم اتفاقي معكم على صوابية هذا القطع الجائر إلا أنني أعتز كثيرا بمحدودية الوجود الشعري القيم المؤثر الذي ابتدعته الأسماء النسائية في ساحتنا الأدبية !.. « . الروح والجسد وتقول الروائية ابتسام عرفي :»عبر العصور والأزمان تتغير معالم الحياة ، وتتغير معها النفسيات والعقول . وإن كان هناك فترة زمنية ارتقت فيها المرأة في المجال الشعري البحت ، فإن هناك فترةً أرتقى فيها العنصر النسائي بمجالات أدبية أخرى كالنثر والقصة والرواية. وما كان للمرأة أن تهجُر درباً عشِقته أو سكن وجدانها! فمن زمن الخنساء وحتى وقتنا الحاضر ،مازلت المرأة تزاول الشعر بجميع سُبُلِه بكل حب، فالعلاقة بين المرأة والشعر هي علاقة الروح والجسد. أمّا من أمتلكن روح الرواية أو القصة فهن تميزن بهذا منذ البداية ، وكان الأدب الروائي هو نبضهن وفكرهن منذ نعومة أظافرهن. فلا يمكن للمرأة الشاعرة أن تهجُر روح الشعر لتسكن روح الرواية ! إنما هي روحٌ خلقها الله بداخلها إمّا لهذا أو لذاك ،وهناك شاعرات روائيات أو العكس ولكنهن قلائل..فمن أهتوت أحدهما ( الشعر أو الرواية)، عليها أن ترعى هذا بداخلها، وتهتم به حتى يأخذ المكانة الأعمق. قيود المجتمع الروائية شروق الخالدي تقول: إنه لا يوجد هجرٌ للمرأة من الشعر بهذا المعنى، لكن الرواية اصبحت تعطيها مساحة أكبر للتعبير عن همومها والبوح عن ذاتها وتعطي مجالاً أوسع للقارئ ليفهم مشاعر الكاتب و الرواية (كما تقول)أسهل في الكتابة فهي لاتضمن قيودا عديدةً كما في القصيدة والقصة القصيرة حتى الكتابة الشعرية النسوية تجدها تتجه إلى قصيدة النثر وتحاول الابتعاد عن القصيدة العمودية لأن العمودية فيها قيد للمرأة كما هي قيود المجتمع، و أن السّرد والقدرات الفنية يجب أن يكونا الهدف للرواية.