وتمضي الأغنية التي اتخذتها عنوانا لهذا المقال على نحو يكون فيه (طالعك) المزعوم متناغما مع ما يمليه الوزن، وتفرضه القافية. فإذا كنتَ من برج الحَمَل، مثلا، فالطالع يقول: «وانته اللي برجك الحَمَلْ.. عندك مشكلة في العملْ»! وما كانت تلك المشكلة ستحصل لولا الوزن والقافية. ولأنك من برج الحَمَل، فأنت مثل قاضي (قُم) الذي بعث إليه الوالي توقيعا يقول: «يا قاضي قُم، قد عزلناك فقم»! فقال عبارته الشهيرة: «لم تعزلني، ولكن عزلتني القافية»! لا تدققوا كثيرا في صحة تلك الرواية، فقد يفسد علينا ذلك متعة الدُّعابة ومغزى الحكاية. أمهّد بهذه المقدمة للحديث عن «سريالية» قراءة الطالع لدى (كتّاب الأبراج)، أو «صنّاع التفاؤل» حسب تعبير أنيس منصور. فلا فرق بين «تبصير» المطربة صباح، وما يقوله كتّاب الأبراج، إلا أن تنبوءات الشحرورة موزونة ومقفاة، وذلك التبصير «بلا قافية»! حسب التعبير الدارج. الآن، تصور نفسك متنقلا من فضائية عربية إلى أخرى، وهي تبث لك ما يحدث في منطقتنا العربية، فترى التخلف، بكل صوره، وترى الأنقاض والحرائق والفوضى، وخيام المشردين، وحماقات الغوغاء، وهمجية صناع العنف. وعندما يلف الحزن قلبك ووجدانك، تغلق جهاز التلفزيون، وتقلب صفحات الجريدة، ومن قبيل الفضول، لا الاقتناع، تطالع تحت عنوان (برجك هذا اليوم) الفِريةَ التالية: «السعادة المرسومة في عينيك، أيها الثور، تظهر بوضوح راحتك النفسية»! قاد الفضول، ذات يوم، نانسي ريجان لتستعين بالعرَّافة جوان كويغلي مما جعل منها «مسخرة قومية» كما تقول. في كل واحد منا، نحن البشر، نسبة ولو ضئيلة من الفضول لمعرفة المجهول، مع أن تلك المعرفة لو تحققت لفقدت الحياة سحرها، فما يجعل حياتنا منتجة ومحتملة وحافلة بالآمال والتطلعات هو جهلنا بالآتي. تبتسم، لقوله «أيها الثور»، وتحدث نفسك قائلا: «لو كان الأمر كما يقول، وأن عيني التي شاهدتْ كلَّ ذلك البؤس، وتلك الفوضى، تنضح سعادةً وبهجة، فإن صفة «ثور» تليق بي»! تصور نفسك، مرة أخرى، وأنت محاصر بمخالب الديون، وأنياب الأقساط، وأشواك الفواتير، وحرائق الأسعار، وثبات دخلك المحدود، ثم تطالع برجك فيخاطبك بما يضحك الثكلى. حيث تقرأ: استثمار جديد تقوم به يفتح أمامك آفاقا مهنية جديدة. كما تذكرك النجوم، أنت الذي رأى (نجوم القايلة)، أن للعائلة نصيب من وقتك، وتقترح عليك أن تأخذها في رحلة ترفيهية خارج الحدود، تسعد العيال، وتستعيدان فيها، أنت والمدام، ذكرياتكما السابقة. تكتئب وتحدث نفسك: «وهل أبقت ظروف العيش الصعبة أية ذكريات؟ لم يتبق من ذلك، يا صانعَ التفاؤل، إلا المودة والرحمة.. وليتك تغلق باب الفضول الذي تفتحه كل صباح، وتلغي (برجك هذا اليوم) والأيام القادمة»! وقد تكون ضيفا على السيد (حافز)، وفي اليوم الذي يُشطب فيه اسمك من قائمة المستفيدين، يحدثك برجك عن إنجازات باهرة تحققها في محيط عملك، وتهيئ لك فرصا جديدة للترقي. تدرك غالبية القراء أن (برجك هذا اليوم) مجرد كلام فارغ، لكن صنَّاع التفاؤل يدركون، كذلك، أنه لا يوجد من يقاوم الرغبة في الاطلاع على (طالعه) المزعوم، و.. «بإمكانية أن يكون هناك من يستطيع أن يطل من فجوة ما على المستقبل» كما يقول أنطونيو غالا، وإذا ما تعلق الأمر بالفضول، فإنه لا فرق في ذلك بين الخاصة والعامة. وقد قاد الفضول، ذات يوم، نانسي ريجان لتستعين بالعرَّافة جوان كويغلي مما جعل منها «مسخرة قومية» كما تقول. في كل واحد منا، نحن البشر، نسبة ولو ضئيلة من الفضول لمعرفة المجهول، مع أن تلك المعرفة لو تحققت لفقدت الحياة سحرها، فما يجعل حياتنا منتجة ومحتملة وحافلة بالآمال والتطلعات هو جهلنا بالآتي. [email protected]