على الرغم مما يذكر عن الفيلسوف الفرنسي فولتير من أنه كانه مولعاً بحياة الشرق وعظمائه ومفكريه، وأنه ألّف كتاباً بعنوان «محمد» وكتابه الشهير «صادق» أو «القدر» حسب ترجمة طه حسين رحمه الله، ورغم تأثره بأسلوب كتابة الشعر العربي في التلاعب بعجز الأبيات وصدرها، وعلى الرغم من أننا كعرب مفتونين دائماً بالإبداع القادم من الغرب ولا أقلل من شأنه بل أعترفت ذات مرة أني تأثرت باللغة المباشرة فيه وأشياء أخرى بدراستي للأدب الإنجليزي، ومع ذلك من يضمن لي أني لو كتبتُ اليوم قصة «الببغاء» لفولتير فلن يبيح النقاد دمي ولن يعلنوا اسمي على رؤوس الأشهاد بتهمة الإساءة للأدب! وبالبحث وجدت أن عدداً كبيراً من الأدباء يرجعون قصص فولتير إلى تأثره بقصص ألف ليلة وليلة! لكن زامر الحيّ لا يطرب. تحدثت في الأسبوع الماضي عن المكحلة المنكوتة، وقصدت بها فراغ محتواها من الكحل كما يفرغ مثقفونا اليوم من مقاصدهم التي لا يعرفون طريقاً لتحديدها بوسط زحمة المثقفين الصغار من شباب الإعلام الجديد أو المثقفين الموظفين كما وصفهم د.زيد الفضيل في لقاء له مفرقاً بينهم وبين المثقف العضوي كما أسماه الذي يحمل هماً إنسانياً جمعياً بداخله يلامس آلام البشر وكأنه مسؤول عن إصلاح هذا الكون! تعرضنا أنا وزميلي ماجد سليمان في حلقة برنامج الورشة الذي يعرض على القناة الثقافية كل يوم خميس الساعة الواحدة ظهراً لما يشبه الهجوم الأنيق من قبل الأستاذ عبدالحفيظ الشمري لازلنا لا نجيد قراءة الرمز الفني في العمل الأدبي ولا نتقبل الكوميديا السوداء كنمط قصصي مستقل، ولا نقبل فكرة الخروج عن أُطر محددة للعمل حتى لو كان ذلك وازعاً على الإبداع والتناول المتجدد لفكرة مستهلكة. وكم أتمنى سؤال ضيّفي البرنامج هل ستحتفيان بنصٍ كالذي كتبه التشيكي كافكا الذي أسر العالم بحفنة كلمات عن تحوّل الإنسان إلى صرصار في «المسخ» لو كان الكاتب سعودياً؟ الذي ألغى صفة أدب وصنف الرواية عن عملينا واصفاً الطابور الطويل من الإصدارات التي تملأ رفوف المكتبات بالسهولة كما هو الأمر في كتابة الهذيان والخواطر! وفي الواقع أني أعتز بتجربة هذا الرجل لأنه علامة بارزة في خارطة الأدب المحلي، لكننا كروائيين جُدد نطالبه وغيره من النقاد الفاعلين بعملية فرز إيجابية للأعمال الرديئة من الجيدة، على أن يقوم ذلك بناءً على معايير ومقوّمات معلنة تقاس عليها مدى الجودة. أقول ذلك وأنا أؤمن تماماً أن الإبداع الحقيقي هو في الخضوع للقوالب وفي التمرد عليها لأنك حينما تكتب ضمن بنية تحتية متينة للنص سيخرج بناءً متماسكاً مؤثراً لو خلا من النظرية النووية التي دعمها الأستاذ الشمري، والتي تجعل من القصة القصيرة بؤرة الإنطلاقة ونواة للتمدد الروائي وكأن الروائي بذلك مضطر لإستدعاء أدوات الحشو والتمطيط حتى يصل بالقصة إلى أعتاب الرواية! أبدى البعض إعجابهم باحترامي للرأي الآخر، في حين أن الرأي الآخر يتطلب احترام الطرفين لتجربة بعضهما البعض أولاً، بمعنى أن هذه القاعدة التي صرنا نتغنى بها كثيراً تعتمد في الأساس على شئ من الندية التي لم يتقبلها الضيفان لأننا أقل منهما في الدرجة الأكاديمية وتجربة الكتابة. كمجتمع ثقافي يقفز بين كشف المستور وتغطية المكشوف، لازلنا لا نجيد قراءة الرمز الفني في العمل الأدبي ولا نتقبل الكوميديا السوداء كنمط قصصي مستقل، ولا نقبل فكرة الخروج عن أُطر محددة للعمل حتى لو كان ذلك وازعاً على الإبداع والتناول المتجدد لفكرة مستهلكة. وكم أتمنى سؤال ضيّفي البرنامج هل ستحتفيان بنصٍ كالذي كتبه التشيكي كافكا الذي أسر العالم بحفنة كلمات عن تحوّل الإنسان إلى صرصار في «المسخ» لو كان الكاتب سعودياً؟ ولو كانت كاتبة سعودية فالمصيبة أعظم؟ تويتر: @Rehabzaid