يعود تاريخ علاقتي ومعرفتي بشعر شاعرنا الكبير السيد عدنان العوامي إلى أيام دراستي الجامعية الأولى، حين قام أحد زملاء الدراسة الأعزاء من سكان القطيف بإهدائي نسخة من ديوان «شاطئ اليباب» الذي كان حديث الصدور حينئذ، وكانت تلك من أثمن الهدايا التي تلقيتها، ومازلت ممتنا لذلك الصديق الذي تعرفت من خلال هديته تلك على شاعر كبير أبحرت معه إلى عوالم زاخرة بشتى ضروب الجمال: جمال اللغة والديباجة الشعرية المحكمة، وجمال الأخيلة المجنحة، والجمال البشري والطبيعي الذي كان محوراً لتغني الشاعر وافتتانه الذي لا تخمد جذوته به. بالطبع لم يكن العوامي قبل نشره الديوان شاعراً مغموراً، لكن إقدامه المتأخر على طباعة الديوان كان بمثابة الحدث الثقافي الذي يستحق الاحتفاء به، وهو ما كان بالفعل، وأتذكر في هذا السياق مقالة احتفائية كتبها الراحل غازي القصيبي، ونشرت في المجلة العربية، وضع فيها العوامي «ولم يكن مبالغاً» في مصاف كبار شعراء الرومانسية والكلاسيكية الجديدة العرب، لكن الديوان الذي نشره العوامي في مرحلة متأخرة نسبياً من عمره «بعد أن تجاوز الخمسين» ظل فريداً وحيداً ولم تلحق به دواوين أخرى يتوقع أن تكون في جعبة الشاعر بمسيرته الشعرية الطويلة والحافلة، ولم يقدم الشاعر على طباعة دواوين أخرى رغم الإلحاح المستمر من محبي شعره وهم كثر، والشاعر العوامي ينتمي لتلك الفئة النادرة من الشعراء الذين أخلصوا للشعر وانكبوا على صقل قصائدهم بصبر وفي صمت مثريين بعيداً عن صخب الإعلام والهوس بالأضواء الزائفة، فكان أن أسلست له القصيدة قيادها وباحت له بأسرارها فجاءت قصائده كالمنحوتات الباذخة التي لا تكشف عن مكنوناتها إلا للراسخين في الشعر من أمثاله. مناسبة الحديث عن العوامي هي تنظيم نادي المنطقة الشرقية الأدبي أمسية تكريمية له يوم الأحد الماضي، وهو أمر يحمد للنادي الأدبي ويحسب له، خصوصاً أن هناك توجهاً - كما عرفنا جميعاً - لتكريم المزيد من رواد الحركة الأدبية في المنطقة. كانت الأمسية ناجحة وجميلة حتى بدا المحتفى به مثل «العريس» كما وصف نفسه، لولا بعض الهنات التنظيمية التي كان بالإمكان التغلب عليها، ولا شك لدي في أن القائمين على إدارة النادي وعلى رأسهم الأستاذ خليل الفزيع حريصون على أن يخرج حفل التكريم هذا وما سيتبعه في أزهى حلة وفي أبهى صورة، شخصياً، لا يساورني الشك في أنهم قادرون على ذلك.