لقد امتنع على أعداء الدين والإنسانية تحريف ما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) فجاءهم الشيطان بحيلة أخرى، هي حيلة تبديل معاني نصوص ذلك الوحي طالما لم يتمكنوا من تحريفه حقيقة كما فعل سلفهم في النصرانية واليهودية، لذلك عادوا على معاني الوحي يحاولون تبديلها، حتى لا يجد المصلحون والناس مرجعا ثابتا صحيحا يصححون عليه الفساد الطارئ على البشرية، ليجعلوا السنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والتوحيد غريبا، والشرك مألوفا، والفضيلة رذيلة والرذيلة فضيلة، والحسن قبيحا والقبيح حسنا، وقد استطاعوا - إلى حد كبير - فعل شيء في هذا الباب حتى صار كثير من المسلمين يقرؤون كتاب الله وسنة رسوله ويفهمونها على غير مراد الله. أخذ الغرب يكف عن محاربة الدين صراحة، إلى حد ما، وأخذوا في طرق أخرى ملتوية لحربه، فقام مفكروهم بدراسة الكتاب والسنة وتاريخ الإسلام بغية التشويه له، وجعلوا العقل والبحث العلمي رائداً لهم في استجازة الطعن في الدين بدعوى مناقضته للعقل والعلم ونشطوا في المذاهب الفكرية الإلحادية التي تنادي بفصل الدين عن الحياة.لقد تواصى أعداء الدين والإنسانية على هذا التبديل، وكانت الأداة الكبرى لذلك الترويج لمنهج عقلي مضلل يحكم في نصوص الوحي حتى أثر ذلك المنهج العقلي المضلل الذي أدخل على الأمة الإسلامية أولا عبر شيء من التراث اليوناني المترجم للمسلمين أثراً فادحا. لقد كان ذلك المنهج العقلي يقوم على قضايا مضللة من أسوئها : « إن العقل له حق تعطيل النص بجميع أفراده بدعوى المصلحة « ، وكان من آثار تحكيم العقل في النص تعطيل دلالة النصوص الشرعية، وإظهار القول : إنها لا تفيد العلم، أو إنها ظنية، وبذلك دعوا لتقديم العقل وتعطل النقل فحصل بهذا الكثير من التبديل لمعاني الدين وكان من الآثار السيئة التي ترتبت على هذه الأفكار زحزحت مفهوم ثبات نصوص الوحي عند كثير من المسلمين وبعض دارسي الإسلام، وانتشر هذا الأثر السيئ، وأصبح النظر في نصوص الوحي عرضة لتبديل معانيه بإدخال آلة مظللة على آلات البحث العلمي الشرعي للنظر والحكم في نصوص الوحي، وتبع كثير من الناس ذلك إلا من عصمه الله بالتمسك بهدي السلف في النظر والاستدلال والعمل بنصوص الوحي وبذل أولئك ما استطاعوا لرد الناس إلى هدي سلف هذه الأمة في تفسير نصوص الوحي، ولأجل ذلك الانحراف المنهجي نشأ الكلام في التفريق بين منهج السلف وبين المناهج المبتدعة المخالفة لهم في النظر والاستدلال. إن حقيقة فتنة المنهج العقلي المضلل التي راجت على أيدي أهل الكلام تدور على أن الحجة تعرف بالنظر العقلي، وأن الشريعة «قرآناً وسنة» لا يصح الاحتجاج بهما على إفادة العلم، فالقول بظنية الأدلة النقلية محدث لا يعرف من قبل، وقد استظل بذلك المنهج المحدث أهل الأهواء وخدعوا كثيراً من الناس، وبليت الأمة بمن يعبث بدينها قديماً وحديثاً، ففي القديم انتشرت الفرق الضالة من الشيعة والخوارج والقدرية والجبرية والصوفية والمرجئة وغيرها من الفرق الكلامية التي سعت لتبديل معاني نصوص الدين مع انتسابها إليه وإلى الكتاب والسنة فكان لانحراف كل طائفة من هذه الطوائف حظاً من انحراف بعض المسلمين فظل من ظل من المسلمين بضلالهم وبقي انحراف تلك الطوائف وأتباعها في الأمة يثور حينا ويهدأ حينا آخر . وفي العصور الحديثة تعرض الإسلام لهجمات شرسة من قبل أئمة الغزو الفكري الكامنين في بلدان الغرب باسم الاستشراق تارة، وباسم الاستعمار تارة أخرى واستفادوا من تجربة تلك الفرق الضالة التي انتشرت في بلاد الإسلام، فاجتمعت جهودهم جميعا على حرب نصوص الوحي المنزلة من رب العالمين، وقد أخذ الغرب يكف عن محاربة الدين صراحة، إلى حد ما، وأخذوا في طرق أخرى ملتوية لحربه، فقام مفكروهم بدراسة الكتاب والسنة وتاريخ الإسلام بغية التشويه له، وجعلوا العقل والبحث العلمي رائداً لهم في استجازة الطعن في الدين بدعوى مناقضته للعقل والعلم ونشطوا في المذاهب الفكرية الإلحادية التي تنادي بفصل الدين عن الحياة، وساعد على تقبل ذلك انتشار المنهج العقلي المظلِّلَ في الأمة قديما، فهم من دعاة هذا المنهج وحملته، ذلك المنهج الموروث عن بعض الفلسفات اليونانية المترجمة. ولهذه القصة بقية تتبع إن شاء الله. [email protected]