المملكة تواسي حكومة وشعب كوريا.. القيادة تعزي الرئيس الهندي    بدء أعمال السجل ل (28) حياً بمنطقة مكة المكرمة    إعلان نتائج المسح الاقتصادي في المملكة لعام 2023م    «منشآت» تعزز التوجهات المستقبلية في الشركات الناشئة    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددا    ميزة لاكتشاف المحتوى المضلل ب «واتساب»    في نصف نهائي خليجي 26.. الأخضر يواجه عمان.. والكويت تلاقي البحرين    النصر بطلًا لكأس الاتحاد السعودي لقدم الصالات    (مواجهة التأكيد)    هل قمنا بدعمهم حقاً ؟    الإطاحة بشبكتين إجراميتين لتهريب المخدرات.. والقبض على 13 عنصرًا    ابق مشغولاً    مداد من ذهب    هزل في الجِد    رحلات مباركة    التأكد من انتفاء الحمل    زهرة «سباديكس» برائحة السمك المتعفن    وصول التوأم الملتصق السوري «سيلين وإيلين» إلى الرياض    نائب أمير مكة يطلع على أبرز المشاريع المنجزة بمحافظات المنطقة    قوافل مساعدات سعودية جديدة تصل إلى غزة    «الشورى»: الموافقة على مشروع تعديل نظام إنتاج المواد التعليمية وتسويقها    لغير أغراض التحميل والتنزيل.. منع مركبات توصيل الأسطوانات من التوقف في المناطق السكنية    نائب أمير تبوك يقلد مساعد مدير السجون بالمنطقة رتبته الجديدة    الجوال يتصدّر مسببات حوادث المرور في الباحة    «العالم الإسلامي»: ندين بأشد العبارات اقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى    سورية تتطلع لعلاقات "استراتيجية" مع أوكرانيا    مُحافظ جدة يُكرّم عدداً من ضباط وأفراد مكافحة المخدرات    2024.. إنجازات سعودية    مركز مشاريع البنية التحتية بمنطقة الرياض يعلن تفعيل أعماله في 19 محافظة و47 بلدية    «الصفراء» حرمتهم.. والمدرج مكانهم    الصبحي والحمدان.. من يخطف لقب الهداف ؟    القهوة والشوكولاتة.. كماليات الشتاء والمزاج    5 فوائد للشاي الأخضر مع الليمون    وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر    مجلس إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون يعقد اجتماعه الرابع لعام 2024    تركي آل الشيخ يعلن عن القائمة القصيرة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    استعراض مؤشرات أداء الإعلام أمام الوزير    11 ألف مستفيد من برامج التواصل الحضاري بالشرقية    القيادة تعزي في وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر    أمير الشرقية يشدد على رفع الوعي المروري    مغادرة ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الأخضر يختتم استعداداته لمواجهة عُمان في نصف نهائي خليجي 26    الهلال يكسب ودّية الفيحاء بثنائية "نيمار ومالكوم"    "الشورى" يوافق على تعديل نظام إنتاج المواد التعليمية وتسويقها    ولي العهد يعزي تشوي سانج في ضحايا حادث الطائرة    «مجلس التخصصات الصحية» يعتمد استراتيجية العام المقبل    حتى لا نخسر الإعلاميين الموهوبين!    هل تفجّر أوابك ثورة إصلاح وتحديث المنظمات العربية    مبادرة «عدادي»    بينهم عدوية والحلفاوي والسعدني.. رموز فنية مصرية رحلت في 2024    كلام البليهي !    التغيير العنيف لأنظمة الحكم غير المستقرة    خبراء أمميون يطالبون بمعاقبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها في الأراضي الفلسطينية المحتلة    الجوازات: صلاحية جواز السفر للمواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج 3 أشهر للدول العربية و6 أشهر لبقية الدول    الإحصاء تُعلن نتائج المسح الاقتصادي الشامل في المملكة لعام 2023م    وزيرا «الإسلامية» و«التعليم» يدشّنان برنامج زمالة الوسطية والاعتدال لطلاب المنح الدراسية    التعصب في الشللية: أعلى هرم التعصب    نائب أمير منطقة مكة يترأس اجتماعًا لمتابعة مشاريع التنمية للمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموقف من الانحرافات المعاصرة رؤية تربوية
نشر في الرياض يوم 04 - 11 - 2005

تموج الدنيا بطائفة كبيرة من الأفكار والتوجهات والتيارات المتباينة والمختلفة، يصب كثير منها في مسار الاختلاف المذموم، المعارض للشرع، المناقض لنصوصه وأحكامه، وتتفاوت دركات هذا الذم بحسب بُعد هذا الاختلاف أو قربه من النص الشرعي.إن حماية الجيل والناشئة من هذه التوجهات والتيارات المنحرفة قد أوجد هماً مقلقاً لدى المربين من آباء ومعلمين ومختصين، وتعددت لأجل ذلك أشكال الحماية وطرق العلاج غير ان أكثرها انتشاراً وتأثيراً هو أسلوب التحذير المباشر من تلك التيارات والانحرافات ومع كونه أسلوباً سهلاً وميسوراً ويجيده كل أحد إلاّ ان له أثراً تربوياً جيداً في منع تسرب هذه الأفكار للناشئة، غير ان الاكتفاء به وحده، أو المبالغة فيه غير كافي في تحصين الناشئة وصيانتهم إذ لا يلزم من التحذير ان يقع الحذر، فقد يُحذّر المربي ولا يلتفت الشاب لما يقال، بل قد يدعوه الفضول للبحث عن الشيء لا الحذر منه، خاصة في وقت تزدحم فيه الحوارات والنقاشات ويرسخ في الناس قيم الحوار والاعتراض والشك ويهيج الشباب فيها على ذم التلقي والقبول لأي فكرة من غير اقتناع تام ومعرفة مسبقة لمحتوياتها، لأجل ذلك تجد التأثر السريع والكبير من بعض الناس لمثل هذه الأطروحات لهشاشة البناء الذي هو عليه، ولضعف روح الاقناع والتأثير لديه، فما يكاد يصمد أمام أمثال هذه الأطروحات التي لم يألفها.
عدا أن التحذير في كثير من تجلياته يقوم على التصنيف ورمي الناس في قوالب معينة وتخويف المتربي من الاقتراب منها، فينفر المتربي من هذه المصالحات ويرمي كل من لا يفقه قوله في دوامته، وربما وقع في ذات الانحراف من غير ان يشعر، لأن الأمر عنده قام على تصنيف لا تحقيق.
ومع ما ذكر، يبقى أسلوب التحذير طريقاً ناقصاً لا يفضي بالغرض ولا يحقق المطلوب، والاكتفاء به وحده سيفتح في عملية التربية ثغرات كبيرة تخلخل بنيانها.
وفي رأيي ان يتم البناء التربوي في هذه القضية عبر محورين أساسيين:
الأول: ترسيخ المنهج الشرعي، والمبدأ الصحيح للقضايا بعمق ودراية بغض النظر عن خلاف من خالف بل تؤصل الدلائل العقلية والنقلية في نفوس الناشئة في المسائل المختلفة فيها، من غير تعرض لأي انحراف أو تجاوز حولها إلاّ على سبيل النقض والرد فيترسخ بهذا المنهج الشرعي وتأتي الانحرافات في مكانها الطبيعي لا ان يعرف الطالب عشرات الشبهات ومئات الانحرافات من غير ان يعرف منشأ الفكرة ولا ما هو الحق وما الدليل عليه.
الثاني: ترسيخ جملة من الأصول الشرعية والمعاني التربوية التي تشكل شخصية الشاب المسلم، وتقوي بناءه ليكون محصناً ومحمياً - بإذن الله - عن أي انحراف أو انجراف لذات اليمين وذات الشمال، ومن تلك الأصول والمعاني العظيمة ما يلي:
الأصل الأول: تعظيم النص الشرعي وتقديمه على أي ذوق أو عقل أو مصلحة بخلافه وترسيخ معنى ارتقاء المسلم في إيمانه وإسلامه بحسب ترقية في اتباع النص والتزام موجبه.
إن رسوخ هذا المعنى العظيم سيكون عاصماً للمسلم عن تبني أي أصول فكرية ومنهجية منطلقة من رؤى مناقضة للنص، وسيبقى الخلاف حينها في مفاهيم النصوص ودلالاتها وما تحتمله وما تلزمه وهذا خلاف في جملته محمود ومرحوم.
الأصل الثاني: حفظ اللسان ومراقبة الألفاظ واستشعار مراقبة الله واطلاعه على ما يقوله العبد وما يقرره، مما يحمي الشاب من حمأة التصنيف والبغي والانشغال بالناس عن العلم النافع والعمل الجاد.
إن رسوخ مثل هذا المعنى كاف في إزالة توجهات بأكملها، لا هم لها سوى ملاحقة قول فلان، وتتبع أحاديث علان، ولئن وجدنا مخرجاً شرعياً لبعضها، فلن يقبل المسلم الورع ان يوسع المخارج لكثير منها والا لما بقي في الشريعة حق لمسلم ولا صيانة لعرض ولا حرمة لغيبة.
الأصل الثالث: تقدير العلماء واحترامهم واجلالهم وانزالهم في المقام الأعلى من الحب والتقدير وما يتبرع ذلك من ذكر محاسنهم وبيان فضائلهم ونشر علومهم.
إن العلماء مهما اختلقنا مع بعضهم في مسائل وفتاوى ومواقف يبقى لهم من الطاعة والعمل والعلم ما يكونون به في بُعد عن الانحرافات الذميمة، وتمسك الشاب بذيل علمائه كفيل ببقائه بعيداً عن شوائب هذا الانحراف.
الأصل الرابع: تقرير فقه الخلاف والاجتهاد، وترسيخ المفاهيم الشرعية المتعلقة به من ضرورة الاجتهاد وعذر المجتهدين وتوسيع الله على الأمة و تجاوزه عن الخطأ والنسيان والتأويل وبيان المقاصد والأعذار الحسنة لأخطاء المجتهدين والتزام الأدب الإسلامي في الرد على المخالف وكبح جماح النفس في حالة الحوار والرد على المخالفين.
كل هذه الأمور ستوجد نفساً منشرحة وقلباً متسعاً يحترم المسلمين ويقدر المجتهدين تنقشع بها سحائب الظنون السيئة وستبدد ظلمات الشحناء والبغضاء وتخف حدة النفس ويتسع ضيق العطن وغير ذلك من الأمور التي يتشكل من مجموعها انحرافاً يضر الفرد والمجتمع.
الأصل الخامس: التربية على الهدوء والتؤدة والتأني والتريث في تلقي الأفكار والاقتناع بها فلا بد ان يكون مرسخاً لدى الناشئة ان لا يقتنع بأي فكرة يسمعها ولا ان ينتهج أي منهج يقرأ عنه خاصة حين يترتب عليه مفاسد أو يكون مرتبطاً بالمصالح العامة أو يكون مخالفاً لجمهور الأمة بل يتريث في تلقي الأفكار ويجعل بين سماع الفكرة وقبولها وقتاً كافياً للتمحيص والبحث هذه الفترة سيكون فيها فرصة للتصحيح والعلاج من قبل المصلحين، وسيكون الحوار حينها نافعاً ومؤثراً وأما بعد التنبي والاقتناع فالحوار حينها قليل الجدوى ضعيف النفع.الأصل السادس: الاستمساك بالأصول والمحكمات ورد الفروع والمشتبهات إليها والتوقف عند المشكلات وعدم بناء أمور عليها.
إن من الخلل المنهجي المسبب للانحراف ان يستشكل الشاب دليلاً أو تقف في وجهه شبهة فلا يجد لها مخرجاً فينقلب بسببها رأساً على عقب ويضرب الأصول والمحكمات التي عنده بسبب توقفه في هذه الكأدةوفي ظني ان كثيراً ممن تنكب المنهج الشرعي كان منشأهم من هذه المزلة إذ يستشكل فييني على استشكاله بناء ويقف عند شبهة فيجعلها معلماً ودواليك، فيكون من الشكوك والشبه والاستشكالات أعمدة يقوم عليها بناؤه الفكري والعلمي وذلك ان تنظر في الملحد مثلاً ما دليله على إلحاده؟ تجده يضع لك مجموعة من الشكوك على وجود الخالق وحين تسأل من يرفض الأخذ بظواهر النصوص في الاعتقاد يجيبك بأن ذلك يلزم منه مفاسد واشكالات، فجعلوا من الشك دليلاً ومنهجاً، وكان من العقل والمنطق ان لا يكبر السؤال ليكون جواباً ولا الشك ليكون قطعاً ويقيناً.
الأصل السابع: التربية على العمل والإنتاج والإبداع والاتقان وذم كل مخالف لهذه الأصول من الكسل والهذر والجدل والعبث.
إن الشاب المنتج يريد عملاً وأثراً والمبدع لا يرضى بالخلل، والمنظم لا يعيش مع الشتات، وكلهم لا يحيون في أجواء الجدل والتنظير المقيت ولا تجد عندهم فجوة لتسدها تلك الانحرافات، وأرضها طيبة فلا يسع السوس ان ينخر فيها.
الأصل الثامن: التربية على العبادة والطاعة والاجتهاد في أوجه الخير والبر كالتبكير للصلاة وقراءة القرآن ونوافل القيام والصيام والصدقة والاستغفار والحج.
إن التربية العبادية حبل متين بين العبد وربه يحمي العبد من أي انحراف لا يرضي الله، وهو سبيل للابتعاد عن أي طريق يخالف طريق الخير والعبادة لأجل ذلك تجد العلاقة المتينة بين الانحراف الفكري والضعف الإيماني والعبادي فما ان يبدأ الانحراف الفكري الا ويتبعه الفتور والتقصير في جوانب العبادة والطاعة.الأصل التاسع: اتباع منهج السلف من علماء القرون المفضلة والاقتفاء بآثارهم والسير على الطريق الذي ساروا عليه، وغرس شعور الانتماء والاتباع لأولئك الأئمة، إذ هم خير الأمة، وصفوة الناس.إن أي انحراف عن منهج الشرع لا يمكن ان يجد له جذراً معتبراً في منهج السلف، وأي دعوة لتخطي ذاك الجيل، واهمال الاعتبار لفهمهم وقولهم هي دعوة سوء تهيئ مستنقعاً خصباً لتنمو فيه جراثيم التبديد والتجديف وحين لا يحتكم المسلم لفهم الصحابة ومن بعدهم فما عليه بعدها في أي أودية الضلال هلك.ان اجتماع مثل هذه الأصول، وترسخ هذه المعاني في نفوس الناشئة سيوجد لنا جيلاً متوازناً متكاملاً، يصعب اختراقه وتضليله إذ الغرس المستقيم لن يخرج الا مستقيماً وسيعرف الشاب كيف يأخذ الحسن ويرمي بالقبيح وسيكون تعدد الأفكار والاتجاهات والتيارات والحوارات والانفتاح الذي يميز هذا العصر سبيلاً لأن يقوي بناءه، ويعزز ثقافته، ويسند الحق الذي معه بمعرفة الباطل الذي لدى خصومه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.