يفتتح اليوم الاثنين في العاصمة النمساوية فينيا مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، وهو صرح علمي جديد وهدية من خادم الحرمين الشريفين إلى بني الإنسان الذين فرّقت بينهم النزاعات السياسية والشخصية التي تتستر خلف العناوين الدينية وتروّج لثقافة الكره، وتمدّ العالم بمزيدٍ من أسباب الحروب والفُرقة والآلام. وسيحقق هذا المركز الحُلم التاريخي الذي طالما تمنّاه المصلحون الأمميون، طوال الزمن الماضي وفي كل مكان، الذين ينحازون إلى سمو الإنسان وإشاعة العدل والإخاء والود والتعاون بين الناس. والإسلام هو رائد الرسالة الأولى الداعية إلى إخاء الإنسان، إذ أمر الله تعالى بني البشر بالتعاون على البر والتقوى ونهاهم عن ارتكاب الإثم والعدوان فرديًا وجماعيًا. وعصم الله دماء الناس أينما كانوا ولأية ملة انتموا، ما داموا لم يعتدوا ولم يظلموا ولم يرتكبوا جرمًا يستحق الاقتصاص القضائي. والإسلام رسالة عالمية شاملة لا يقصي أحدًا من عدله ولا من فضائله، وقد ارسل الله تعالى النبي محمدًا «صلى الله عليه وسلم» رحمة للعالمين، وليس للمسلمين فقط. وقد رحم رسول الهدى وأوصى أصحابه واتباعه وعموم المسلمين بالرحمة والعدل بين الناس، كل الناس بلا تمييز، فذلك الأقرب للتقوى وهو الأطيب للنفس وأكمل للمروءة. وشهد التاريخ الإسلامي قصصًا وضّاءة للعدالة بين الناس واخضع أمراء وحكامًا لقضاء عادل لطلب خصومهم غير المسلمين. وقد تواترت الروايات أن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب «رضى الله عنه»، قد واجه يهوديًا في خصومة على درع، وكسب اليهودي الحكم والدرع، فرضي علي «كرم الله وجهه» بحكم القضاء، بلا تبرم أو غضاضة، مما كان سببًا في إسلام اليهودي. فهذا هو الإسلام عدل لكل الناس، ورضا بكل عدل، ورحمة مشاعة في الأزمان والأمكنة. وجهد خادم الحرمين الشريفين من أجل تأسيس هذا المركز هو حرص منه «حفظه الله»، على أن تجتمع الأمم بأديانها وثقافاتها على كلمة سواء، فتتعاون في المشترك وتشيع ثقافة الاحترام للآخر بدلًا من ثقافة الكُره، وثقافة التعاون بدلًا من ثقافة النزاعات والفُرقة، وثقافة التواد بدلًا من الحروب والمذابح التي كلفت الأمم الكثير من الدماء والثارات ولا تزال تهدّد العالم بمزيدٍ من الويلات والخراب والدمار. سيذكر التاريخ خادم الحرمين الشريفين بأنه أول زعيم ينجح في جمع علماء أديان وثقافات عالمية في مكان واحد وفي مؤتمر واحد عام 2008 ليناقشوا الإخاء والمودة في رسالة حب عالمية للجميع، وكذلك نجح «حفظه الله»، في نفس السنة، في جمع عشرات من زعماء دول العالم من كل القارات، في مكان واحد ليناقشوا المشترك والتعاون من أجل خير الإنسان ورفاهيته وسلام البشرية في كل مكان، وعلى طول الجغرافيا المديدة متخطين الحواجز والحدود والمصالح.