المظاهرات في الثقافة الغربية حق للإنسان للتعبير عن رأيه، لأنها تبرز «الرأي الحزبي» بشكل خاص، لهذا أكثر المستفيدين من المظاهرات هي التنظيمات الحزبية، إذ يستطيع المفوهون الحزبيون تثوير الناس والتأثير على العامة بصورة أكثر صخباً ثم تضغط الأحزاب لإنجاح خططها وبرامجها. ولكن المظاهرات في أماكن كثيرة من العالم لم تؤد إلى كسب أي حقوق، فالباكستانيون يتظاهرون منذ نحو نصف قرن، وكذلك يفعل الفلبينيون والبنغاليون وتسيل الدماء ويتصاعد عدد اليتامى والأرامل، ولكن الحكام الديكتاتوريين يتناسلون في السلطة والفساد يستشري في تلك البلدان بشكل «مستقر» ومخيف ومهين.! ليس بالضرورة أن كل ما ينتهجه الغرب هو صحيح، فالغرب أيضا أجاز الربا، وأباح العلاقات الجنسية والإنجاب قبل الزواج، بل وأباح زواج الشواذ، فهل كل ما ينتجه الغرب يصلح للشرقوالعراقيون يتظاهرون وتتواصل مسيراتهم، ويسقط قتلى وجرحى، منذ سقوط صدام، ولكن الأحوال كما هي، كما رسمتها واشنطن، لم تبدل فيها المظاهرات ولم تغير. وواشنطن نفسها التي تؤيد المظاهرات في أماكن كثيرة، لم تستمع إلى صوت المتظاهرين ولم تستجب لأمانيهم في العراق. وقد تظاهر عشرات الآلاف في غزة احتجاجاً على الانتهاكات الإسرائيلية، واستغاثوا بضمير أمريكا وحريتها. ولم يزد ذلك واشنطن إلا طرشاً وعمى وتجاهلاً. واليمنيون يتظاهرون منذ عشرين عاماً، وبقي اليمن يمناً كما هو والرئيس والبرلمان ينتخبان على الطريقة اليمنية. ونجحت المظاهرات في مصر وتونس، ليس بالقوة الخالصة للشارع، بل لأن نظامي مصر وتونس وصلا «طبيعياً» إلى النهاية، وكانا يتآكلان من الداخل، وسقطا بصورة خاصة لأنهما أهانا المواطنين علناً، فهما يدعيان الديمقراطية والحرية بينما محاسيب النظام يزورون الانتخابات بأسلوب علني مهين واستغباء لكل مواطن. ونظام القذافي في ليبيا انتهى منذ أن زاد العقيد شحنة الغطرسة، فسمى نفسه «ملك ملوك أفريقيا» بينما يقود جماهيرية، إضافة إلى أن العقيد حول «الكتاب الأخضر» إلى قرآن آخر وتمادى في جنونه وتناقضاته. المظاهرات هي «واحدة» من الوسائل الغربية الكثيرة العدد، للتعبير، وهي مجرد حالة رمزية لا أكثر، لكنها ليست البلسم الذي يداوي الجراح، وليست وسيلة سحرية ستؤدي إلى تلبية أماني الناس، وجني سعادة في اليوم التالي. وليس بالضرورة أن كل ما ينتهجه الغرب هو صحيح، فالغرب أيضا أجاز الربا، وأباح العلاقات الجنسية والإنجاب قبل الزواج، بل وأباح زواج الشواذ، فهل كل ما ينتجه الغرب يصلح للشرق. ثم أن المظاهرات ليست الوسيلة الوحيدة لنيل المطالب. وقد استجاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لرأي الكتاب والمواطنين، وبدأ عملية إصلاح مثمرة، دون مظاهرات ودون صخب ودون تحزيبات للشارع. وتر الأحزاب تتأهب لتصادر الصوت، وضياء الشمس.. الأحزاب تتكالب لتهرق ماء العين.. وتسرق خصل الصباح البهي.. [email protected]