زواج القاصرات وتحديد سن الزواج كان مثار جدل واسع في كثير من المجتمعات العربية، ومع أن هذا الجدل لم يتجاوز حدود الفكر والفقه في معظم الدول إلا أنه وصل في اليمن إلى حد تهديد الشيخ عبد المجيد الزنداني بتيسير مظاهرة مليونية في العاصمة صنعاء لمنع البرلمان من إجراء تعديل قانوني يحدد سن زواج الفتيات بثمانية عشر عاماً. كما تشددت بعض الدول في منع هذا الزواج وسنت مصر تشريعاً يقضي بمحاكمة أي مأذون يقوم بعقد قران على القاصرات. فما هو موقف الشرع في هذه القضية؟ هذا ما تجيب عليه السطور التالية: موافقون خاضع للسياسة الشرعية! بداية يؤكد الدكتور محمد النجيمي عضو مجمع الفقه الإسلامي بأنه يجوز للشباب أن يتزوجوا قبل السن الأدنى بشروط فقال: تحديد سن الزواج يخضع لمبدأ السياسة الشرعية ولتقديرات العلماء وتقدير الحاكم في تقييد الزواج بسن معينة، كأن تكون (15) سنة للفتاة و (13) للفتى وإذا كان لأي منهما الرغبة في الزواج قبل هذا السن فلا بأس، شريطة أن يكون ذلك مرتبطاً بالفحص الطبي الذي يبين صلاحية كلاً منهما للزواج، وموافقة وليها إذا كان أبا أو جداً لفرط شفقتهما. أما ما عدا ذلك فلا بد أن يكمل الشاب والفتاة السن القانونية وهي (13) للفتى و (15) للفتاة. مظاهرات سلمية! ويُشير النجيمي إلى قضية تسيير المظاهرات كتعبير عن الاعتراض على سن قوانين تحديد سن أدنى للزواج فيقول: حق التظاهر مكفول بمقتضى دستور الدولة المعنية، فالتظاهر في اليمن مكفول بالدستور اليمني، فيجب على المتظاهرين أن يلتزموا بالقانون والدستور في بلدهم بحيث تكون المظاهرات سلمية وفق القانون والدستور، فإذا كان القانون المحلي يسمح بالمظاهرات فهذا لا بأس فيه، أما الدول التي تمنع التظاهر فلا يجوز مخالفة ولي الأمر فيها، وأعتقد أن اعتراض الشيخ الزنداني هو بسبب رفع سن الزواج الفتاة إلى (17) سنة في حين يرى أن الفتاة حينما تبلغ (15) سنة تكون قد بلغت وهو رأي جمهور العلماء، لأن سن البلوغ عند البنت هو 15 عاماً، لذا فهو يرى إذا دخلت البنت بسن 16 يصلح أن تكون زوجة إذا وافق ولي أمرها على ذلك، وبالتالي فإن اعتراض الزنداني على هذه الجزئية. لا مانع شرعي من جانبها تقول الدكتورة آمنة نصير العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية (بنات) جامعة الأزهر وعضو لجنة المرأة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: استغربت من كل هذه الضجة وقالت أن إصدار قانون يحدد سن الزواج للفتيات والشباب مسألة تنظيمية ولولاة الأمور أن يتخذوا ما يصلح للرعية، النضج وتحمل المسؤولية مسألة وضرورية وهامة، وأحد الأسس التي يبنى عليها الزواج. والزواج في سن مبكرة قلما ينجح. وأضافت: الشرع الإسلامي جعل سن الزواج عند البلوغ لكل من الذكر والأنثى، أما إذا رأت الدولة أن تصدر تشريعاً يحدد سن الزواج بالنسبة للذكور أو الإناث فالإسلام لا يمنع طالما أن المصلحة العامة تقتضي ذلك، وقد يكون المجتمع أدري بهذه الأمور، ولو استدعت الضرورة أن يتم تحديد سن الزواج في أي مجتمع من المجتمعات الإسلامية فلا يوجد هناك بأس، والإسلام يدعو إلي المصلحة وهناك في علم الأصول قضية أسمها وهي قضية المصالح المرسلة، وقد تكلم في هذه المسألة الإمام الطوخي وجعل قضايا المصالح المرسلة من التشريع الإسلامي طالما أن الأمر يرعي مصالح الناس ومصالح الزواج في المجتمع. وشددت نصير على أنه ليس من حق العالم الاعتراض على قرار السلطة التنفيذية من خلال المظاهرات وإشاعة الفوضى كما هدد بذلك الشيخ الذنداني، وقالت: هذه المظاهرة ستؤدي بالتأكيد إلى حدوث فوضى أمنية داخل اليمن وهذا أمر غير مطلوب لا شرعاً ولا عقلاً، وعلى الزنداني أو أي عالم يسعى للاعتراض على قرار حكومي أن يعبر عن موقفه من خلال قنوات شرعية وليس التهديد بالتظاهر التي تثير الفوضى بين الناس. حق لولي الأمر ويتفق مع هذا الرأي الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية العلوم جامعة القاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ويقول: الشرع أتاح لولي الأمر اتخاذ كل ما من شأنه إصلاح شأن رعيته، بشرط ألا يتعارض ذلك مع نص صريح في الكتاب أو السنة، وهذا ما ينطبق على هذه القضية، لأنه لا توجد نصوص شرعية تمنع تحديد سن الزواج، ولهذا فإن وجود مثل هذا التشريع، مع الاسترشاد بآراء الأطباء أمرٌ جائز من الناحية الشرعية، وفي هذه الحالة يكون الالتزام بهذه القوانين المحددة لسن الزواج واجب شرعاً، ومن يخرج عليها فهو آثم ومن حق الحاكم فرض عقوبة تعزيرية عليه، حتى وإن كان العقد صحيحاً، ومن حق الحاكم فسخه إذا لم يتم الدخول بعد، أما إذا تم الدخول فإنه يقتصر على العقوبة التعزيرية لولي أمر القاصر الذي خالف القانون الذي وضعه الحاكم. معارضون الزواج حصن للشباب بالمقابل ترفض الدكتورة سعاد صالح العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بنات بجامعة الأزهر ورئيس لجنة المرأة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، تحديد سن الزواج للفتاة، وتقول: إذا وجد الشاب الذي يتسم بالدين والخلق وتوافرت فيه شروط الاختيار من ناحية الفتاة أو وليها فيجوز الزواج شرعاً قبل هذه السن، أما إذا ترتب علي ذلك تعنت من الولي أو عدم رغبة الفتاة، فإن الزواج هنا يفتقد الكفاءة التي تجيز فسخ العقد، ولا تجيز تجريم الفعل، ومن المفترض أن تكون أمور الزواج أسهل وأيسر من ذلك. الإسلام لم يحدد سناً للزواج باعتباره دين مقاصد وليس دين نصوص، حيث أن مقصد الزواج هو الرحمة والمودة ،والخوف من العنوسة، سبب رئيسي من أسباب زيادة زواج القاصرات وهنا يأتي دور توعية الجمعيات الأهلية في توعية أولياء الأمور. وأضافت الدكتورة سعاد: الإسلام شجَّع علي الزواج لتحصين الشباب والفتيات ونشر الفضيلة والعفة ومحاصرة الرذيلة في المجتمع الإسلامي وجعله شرط أساس توفير الباءة أي "تكاليف الزواج " والقدرة عليه سواء كانت هذه القدرة مادية أو نفسية أو...الخ لقول النبي صلي الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج". فماذا نقول في هذا الحديث النبوي التي يرشدنا ويعلمنا كيف أن نتعامل مع قضية اجتماعية لها أثارها الخطيرة مع المجتمع مثل قضية الزواج؟ ولماذا يتم تحديد سن معين للزواج طالما توفرت الباءة لدى الشاب الذي يريد الزواج؟ فهذا قد يصلح لدي فئة من الشباب ولا يصلح لفئة أخري توفرت لديها المقدرة علي الزواج طبقاً لسنة النبي صلي الله عليه وسلم في الترغيب في الزواج. وتختم سعاد صالح بأن تحديد الزواج بسن معين لم ينص عليه الشرع الإسلامي الحنيف ولكن الشريعة الإسلامية اشترطت شرطاً هاماً فيما يقدم علي الزواج أن يكون لديه القدرة علي الزواج سواء كانت هذه القدرة مادية أو نفسية أو صحية ... الخ حتى يستطيع الشاب إتمام الزواج والاستمرار في تحقيق الاستقرار له ولأسرته. الحكم حسب الحالة ويوافق الدكتور محمد فؤاد شاكر أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس على الرأي السابق ويرى أن تحديد سن معينة للزواج أمر غير مقبول عقلياً أو شرعياً، وذلك لاختلاف سن البلوغ من فتاة لأخرى، ولهذا فإن لكل حالة حكمها المستقل بها، وقال: وجود قانون لتحديد سن الزواج مرفوض لأنه في هذه الحالة سيكون قد منع حلالاً ولا شيء في مخالفته أو الخروج عليه، ولنا في رسول الله صلى الله عليه الأسوة الحسنة في الزواج بالسيدة عائشة وهي بنت التاسعة، لأن جسدها قد نضج في البيئة الصحراوية في هذه السن المبكرة، ولهذا فإنه من المرفوض شرعاً تدخل الحاكم بتحديد سن معينة للزواج، فما يهمنا هو أن تكون الفتاة مهيأة للزواج، بصرف النظر عن سنها، وبالتالي فإن ولي أمرها يكون آثماً شرعاً إذا عطّل زواجها بحجة أنها لم تبلغ سن معينة. ويضيف شاكر: على الرغم من أنه يرفض وجود تشريع لتحديد سن الزواج لكنه أيضاً يرفض أن يكون الاعتراض من خلال المظاهرات الحاشدة التي ستؤدي إلى خلخلة الحالة الأمنية، ولكن يمكن التعبير عن المواقف الشرعية من خلال أدوات أخرى، سواء المنابر الدعوية أو وسائل الإعلام المختلفة لتوصيل صوت العالم أو الداعية المعترض على هذا التشريع أو ذاك ويكون في ذلك نوع من أنواع الاعتراض السلمي، لذلك ننصح الزنداني بالتروي في مسألة هذه المظاهرة المليونية التي ينوي تنظيمها واتخاذ القنوات الأخرى التي تؤدي لنفس الهدف. تضخيم الأحداث ومن جانبه انتقد الدكتور فؤاد العبد الكريم المشرف العام على مركز (باحثات) في الرياض إثارة قضية تحديد سن للزواج واعتبر أن الإعلام قد ضخم القضية فقال: الاختلافات كثيرة في الفقه الإسلامي فعلى مدى التاريخ الإسلامي كان هناك اجتهاد واختلاف وبالتالي فنحن نقتل الاجتهاد منعاً للاختلاف والبلبلة بين الناس، فنحن وقتها نحدد اتجاه فقهي نلتزم به، وغيرنا قد يختار رأياً فقهياً آخر. أما تحديد سن الزواج فالخلاف الفقهي في هذه القضية هو خلاف وقد أخذت أقوال متعددة حول الموضوع، فهناك أغلبية يرون عدم تحديد سن الزواج على مدى التاريخ، ثم إن هناك نقطة مهمة جداً وهي لماذا تُثار هذه المسألة الآن؟ فمن يقرأ الصحف لدينا يشعر أنها قضية خاصة ونشأت في مجتمعنا وهذا ليس بصحيح، فتحديد سن الزواج بالثامنة عشرة أمر تتبناه الأممالمتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية وتثيرها على مستوى العالم الإسلامي. وأثير الأمر في عدد من الدول الإسلامية، فهي قضية ضغوط دولية لتحديد سن أدنى للزواج حتى يتوافق مع سن الطفولة العالمي المحدد في كل دول العالم بسن الثامنة عشر. وأضاف العبد الكريم مبينا أنها قضية نبعت من أحداث وقعت فقال: السبب يعود إلى وقائع زواج بعض كبار السن من فتيات أطفال، وهذه أيضاً قضية اختلف فيها الفقهاء في السابق وحدث خلط أحياناً من بعض الإعلاميين فهذه الحالات التي لدينا لا تتجاوز (10) إلى (20) حالة على أكثر تقدير، ثم بعد ذلك ضخمت هذه الأحداث واستغلت عاطفة الناس في هذه المسألة ثم العلاج الذي أُقترح هو تحديد سن الزواج، وهذه قضية تختلف تماماً عن قضية تزويج كبير السن بصغيرة السن، فتحديد سن أدنى للزواج معناه أن إذا لم يبلغ الشخص 18 عاما فهو يمنع من الزواج. المنظمات والاتفاقيات والمؤتمرات الدولية تمنع الزواج الشرعي قبل سن الثامنة عشر وتبيح العلاقات الجنسية قبل هذه السن وتعتبره خصوصية وحرية شخصية لا يجوز لأحد التدخل بها، حتى لو كان من الوالدين، ويستخدمون مصطلحات وهمية فمرة يسمونها الجنس الآمن ومرة الصحة الجنسية أو الصحة الإنجابية ولذلك أباحوا الإجهاض وشجعوا انتشار وسائل منع الحمل. هناك حالات فردية لا يجوز أن نقوم بتعميمها ونصدر لأجلها قوانين. أن تكون هناك زوجة صغيرة في السن توفيت بسبب عدم قدرتها على احتمال الزواج فهذا لا يسوغ منع البقية ممن لا تنطبق عليهم هذه الحالة.