محتسبون يرغمون رسامة أجنبية على ارتداء العباءة، محتسبون يتهجمون على مذيعة ويقطعون بث القناة الثقافية، محتسبون يلاحقون المحجبات في معرض الكتاب، اشتباك بين محتسبين وشبان.. إلخ، ماسبق ليس إلا عناوين صدرت بها صحف سعودية ثاني أيام معرض الرياض الدولي للكتاب لثلاثة أيام على الأقل. المسألة هنا من جانبين، الأول: مبحث شرعي حول ماهي حدود الحسبة؟ ، وهل يجوز إرغام أو حمل الناس على أمر مختلف فيه دينياً ؟ ثم ما هي وسائل الدعوة إلى الله و الوعظ؟ ولو اعتبرنا المخالفين من غير المسلمين حتى، هل يجوز مطاردتهم والتلفظ عليهم بألفاظ مسيئة، و إهانة كرامتهم الإنسانية؟ أسئلة أرفعها إلى مقام المتخصصين في الشئون الشرعية، والمؤتمنين على منابر الجمعة. ثم هل تصب هذه التصرفات في مصلحة المجتمع؟وهل تقنع تلك الممارسات الشباب المفتون بحضارة الآخر ذات التعامل الراقي؟ وأخيراً ماهي الصورة التي سيخرج بها المشاركون في هذا الحدث العالمي وهم يرون شبانا يتطاولون على الكبير والصغير والرجال والنساء دون أن يقف أمامهم أحد؟ تلك أسئلة أخرى أرفعها للجهات المسئولة عن صورة وأمن المجتمع. لمصلحة من يتم إثارة الضجيج حول معرض الكتاب، وثني الناس عن الاحتفال بمناسبة ثقافية هامة؟!، ثم هل عجزنا –تحت ذريعة الاحتساب أو الليبرالية أو العصبية أو أية ذرائع أخرى- عن تحمل وجود تنوع فكري أو ثقافي أو مذهبي؟!، وكأن لسان الحال يقول: إن لم تكن معي فأنت ضدي!ومن جانب آخر.. فإن الحادثة ليست كما يصورها البعض ببساطة باعتبارها أفعال شبان متعصبين تصرفوا بشراسة، واستقلالية، في حين أن العمل كان منظما، وسبقه تضخيم في مفهوم الاختلاط أو ربما تذرعاَ به لسد الذرائع، وكأن النساء لا يلتقون بالرجال في الحرم، وفي الأسواق، والشوارع، والمجمعات التجارية والمهرجانات، والمطاعم، وغيرها. وكافة هذه الأماكن تخضع لرقابة صارمة من المؤسسة الدينية الرسمية ومع ذلك توافق على أن تخصص أياما مختلطة للجميع أو للعوائل وفي ظروف معينة للنساء فقط، دون أن تشترط أياماً للرجال فقط كما يحدث في معرض الكتاب، لكن بعض المحتسبين الشبان ومن يفتي لهم ويشجعهم، يضغطون لحرمان المرأة من حضور المعرض حتى وصلت نسبة حرمانها إلى 40% من أيام المعرض (جمعتين وأحد وثلاثاء)..! ولعل هذه التصرفات الأخيرة التي أكدت مؤسسة الإفتاء السعودية -وعلى لسان المفتي العام - على إدانتها لم تضايق آلاف الزوار في أول أيام معرض الكتاب، بقدر ما أساءت لمشروع المعرض، وقيمته الإقليمية. وولدت هذه التصرفات الطائشة تغطيات سلبية الطابع في وسائل الإعلام حول أجواء المعرض أضعف من الحضور خلال الأيام الأولى، برغم انسحاب هؤلاء الشبان من ساحة المعرض، وبقاء بعض الأصوات تعلو هنا وهناك حين تمر امرأة محجبة، أو يُباع كتاب متمرد. لكن لمصلحة من تتم إثارة الضجيج حول معرض الكتاب، وثني الناس عن الاحتفال بمناسبة ثقافية هامة، ثم هل عجزنا –تحت ذريعة الاحتساب أو الليبرالية أو العصبية أو أية ذرائع أخرى- عن تحمل وجود تنوع فكري أو ثقافي أو مذهبي، وكأن لسان الحال يقول: إن لم تكن معي فأنت ضدي؟ أحد المؤلفين والذي كان ينتظر توقيع كتابه يقول كنت أعتقد أن المجتمع قطع شوطاً في مفهوم تقبل الآخر، وأن الانفتاح الذي تعيشه المملكة كجزء من العالم، وتقدم الوسائل المعاصرة الرقمية جعلنا أكثر تقبلاً للحوار، لكن ما جرى ونسمعه من فتاوى أحياناً وتحريض أو ممارسة أحياناً أخرى بذريعة سد الذرائع أو الرد على الظلاميين كما يُردد في وسائل الإعلام لا يدعو للتفاؤل. على أي حال، فإن حكاية المحتسبين الجدد مع معرض الرياض تظهر صورة من صور الصراع وعدم قبول الآخر، بدلاً من الحوار الذي طُرح كمشروع وطني ، ولكم تمنيت لو انتقل من أروقة المؤتمرات إلى الفصول الدراسية منهجاً وأن تُصرف الأموال على تخصيص مدربين أكفاء لتعليم النشء الجديد كيف يتحاورون ويتناصحون سويةً، و يدعون في سبيل الله أيضاً..تحياتي،، [email protected]