أثارت ثورات مصر تونس، وليبيا، والتحركات الشعبية باليمن وغيرها من البلاد العربية، أفكارا كثيرة ومراجعات دقيقة لدروس التاريخ، ومن أهم القضايا المثارة، قضية الوعي وعلاقته بالتغيرات الاجتماعية، ومن الأخطاء التي شاعت بنقاش تلك القضية، هي العودة للتعريفات والنظريات العتيقة بالكتب، ومحاولة قياس ما يحدث حاليا على ما ورد بالنظريات الاجتماعية التي حللت الثورات الكبرى مثل الثورة الفرنسية، والروسية، فمع التقدير الشديد لتلك النظريات إلا أني أرى أن تأثيرها لا يتجاوز مجرد الخطوط العريضة لطبيعة التحولات الكبرى، أما ما يحدث الآن فيحتاج لتحليل جديد يقوم على معرفة جيدة بالتفاصيل من جهة، وإدراك لطبيعة اللحظة التاريخية للتحول، وأنا أتفق تماما مع دور الوعي المجتمعي في التغير، لكني أختلف مع طبيعة الوعي من مرحلة لأخرى، فهو يختلف قبل تحركات الجماهير تماما عن مرحلة التحرك وما يليها، فالوعي الجمعي بمثل تلك الحالات، ويحقق قفزة نوعية ويغير كثيرا بالثقافة السائدة في وقت قياسي، فالتفاعل المجتمعي يكون سريعا جدا لدرجة لا تقارن مع الحالات العادية، ويسيطر الوعي الجمعي ويفرض رؤيته ومنطقه بسرعة تكون مذهلة بحالة الثورات الشعبية.في الحالة الأولى، يبنى الوعي بشكل تراكمي، ومن خلال تفاعلات طويلة ومعقدة ما بين الثقافة الموروثة، والأفكار الحديثة التي تؤثر ببطء لتتحول تدريجيا لمكون الوعي الجمعي، ويختلف الأمر كثيرا بحالة الحركات الجماهيرية، فالوعي الجمعي بمثل تلك الحالات يحقق قفزة نوعية ويغير كثيرا بالثقافة السائدة في وقت قياسي، فالتفاعل المجتمعي يكون سريعا جدا لدرجة لا تقارن مع الحالات العادية، ويسيطر الوعي الجمعي ويفرض رؤيته ومنطقه بسرعة تكون مذهلة بحالة الثورات الشعبية، حيث تجد الرؤية الجديدة تزيح القديمة بسهولة ودون صراعات فكرية عميقة، فالأشخاص العاديون ومتوسطو المعرفة، يتحولون خلال أيام قليلة لأشخاص مدركين للأهداف ويتولون بتلقائية مواقع القيادة الشعبية، فالوعي بحالة الحركة يتضاعف بشكل استثنائي، وهذا بالتحديد ما نشهده حاليا حولنا، فالثورة المصرية كمثال، تجاوزت بزخمها الجماهيري كل النخب السياسية، تلك النخب التي ناضلت عبر سنوات طويلة وأثرت بتحركاتها المحدودة بالوعي الجمعي، لكن الجماهير سبقتها كثيرا بعد ذلك، فنجد قيادات مشهودا لها بالسبق بالوعي تقف عند حدود إصلاحات ضيقة، لنجد الجماهير تتجاوزها نحو تغيرات أعمق، فالكثير من النخبة السياسية طالبوا بمنح الحكومة السابقة فرصة للتغيير، لكن الجماهير أصرت على مطلبها بحكومة جديدة تقطع من النظام القديم، وانتصرت رؤية الجماهير، ونفس الأمر تكرر مع العلاقة بالأجهزة القمعية، حيث طالبت النخبة بوقت لهيكلتها من جديد بالوقت التي قامت الجماهير بتغييرها فعليا، إن بناء الوعي قضية تفاعل إنساني حي وخلاق وليست مجرد تعريفات بالكتب القديمة، وأنا من المتفائلين جدا بالتغير في العالم العربي الذي بدأت تأثيراته تتجاوز الحدود لتصل لبلاد بعيدة مثل الصين التي يستلهم شبابها التجارب العربية المبدعة والمتفردة. [email protected]