بالرجوع لنشرة سوق العمل للربع الرابع من العام الماضي، أوضحت نتائج المسح أن أعلى نسبة للمتعطلين السعوديين «من الجنسين» الحاصلين على شهادة دبلوم فأعلى كانت للحاصلين على تخصص الدراسات الإنسانية، والتي تشمل «تخصصات الدين واللغات الأجنبية واللغة العربية وآدابها والتاريخ والآثار والفلسفة والأخلاق»، وذلك بواقع 29.7% من إجمالي المتعطلين السعوديين، ثم يأتي حملة العلوم التربوية وإعداد المعلمين وذلك بواقع 15.7% من إجمالي المتعطلين السعوديين، وتلك الإحصائيات متوقعة لأن فعلياً لم نجد أي مبادرات مؤثرة تتركز في معالجتها بشكل فعال حتى الآن. التنبؤ بطبيعة الوظائف المستقبلية في أي سوق عمل ليس بالأمر السهل، فهناك متغيرات عديدة قد تطرأ بسبب التطور التكنولوجي على المستوى العالمي، وتلك التطورات قد تنسف كل التوقعات المستقبلية للوظائف المتوقع ولادتها في أي اقتصاد، وللتقليل من هذا «الخطر» من المهم أن يكون هناك مركز أبحاث متخصص في الاحتياجات الوظيفية المستقبلية لسوق العمل وبتعاون فعال بين ثلاث وزارات: «الاقتصاد، العمل، والتعليم». بتحليل الأرقام في نشرات سوق العمل الرسمية، نجد أن «عدم مواءمة مخرجات التعليم مع احتياج سوق العمل» تعتبر من أهم مسببات تفاقم معدلات البطالة في المملكة، وبالرجوع لحزمة المبادرات الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة العمل قبل عدة أشهر نجد أن هناك توجها لتحويل فروع صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» إلى مراكز تأهيل وتوظيف، وشخصياً أرى أن هناك فرصا للاستفادة من فروع ومكاتب صندوق تنمية الموارد البشرية المنتشرة في أغلب مدن المملكة، وذلك بطريقة أكثر فائدة من الوضع الحالي؛ حتى نساهم فعلياً في التعامل مع المتعطلين وفقاً للتوسع الجغرافي الكبير للمملكة. استثمارات كبيرة تم ضخها في تجهيز مقرات وفروع «صندوق الموارد البشرية» في عدة مدن بالمملكة، وكوجهة نظر شخصية أقترح أن يتم تحويل إستراتيجية صندوق الموارد البشرية إلى كيان أشبه ب «جامعة متخصصة في تحويل مسار المتعطلين»، من خلال برامج تخصصية مكثفة قصيرة المدة بالتعاون مع وزارة التعليم، وتكون تخصصات تلك الجامعة التي تنتشر فروعها في أغلب مدن المملكة تعتمد بشكل أكبر على «الميز التنافسية» في كل منطقة إدارية بالمملكة، فعلى سبيل المثال إذا كانت المنطقة الإدارية تشتهر بوجود صناعات أو أنشطة معينة فذلك يعني تركيز فرع الجامعة في تلك المنطقة على تخصصات تلك الصناعات والأنشطة بشكل أكبر «تقريباً 80 %» من برامج تحويل المسار، وتكون النسبة المتبقية تتعلق في برامج تحويل مسار لتخصصات عامة يحتاجها سوق العمل بشكل مستمر. بكل شفافية نجد أن أغلب الحلول التي تم تطبيقها في سوق العمل لمعالجة البطالة تسببت في وجود «العمالة الناقصة» والذي لا يتمنى أي اقتصادي أن نصل لها، فالعمالة الناقصة هي العمالة التي نجدها تعمل بجزء من قدراتها وليس بالكامل، فعلى سبيل المثال عندما نجد شخصا يحمل مؤهلا جامعيا في التعليم واضطر للعمل في وظيفة «كاشير» لأنه لم يستطع الحصول على وظيفة في مجاله، وكوجهة نظر شخصية أرى أن سبب ذلك هو التركيز على الجانب الكمي بشكل أكبر من الجانب النوعي، ولذلك وجود الكيان الجامعي المقترح في تحويل مسار المتعطلين سيكون له تأثير في التعامل مع المتعطلين بشكل أكثر فاعلية للاقتصاد. ختاما.. في الفترة الأخيرة بدأت المملكة في إنشاء مشاريع اقتصادية ضخمة مميزة أصبحت حديثا للعالم، وهذا يعني أن الإمكانيات - ولله الحمد - متوفرة والدعم موجود بالإضافة للتوجه الكبير للتغيير، وتماشيا مع هذا التحول أرى أنه ليس من الصعب أن ننشئ كيانا ضخما مميزا مختصا في تحويل مسار المتعطلين، وبشكل فعال؛ حتى نساهم فعليا في معضلة «عدم مواءمة مخرجات التعليم مع احتياج سوق العمل» في المملكة.