الحديث عن القوى العاملة في المملكة هو في جوهره حديث عن واقع التنمية وتطلعاتها المستقبلية باعتبار ان القوى العاملة الوطنية هي عماد التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. بهذه الاطلالة بدأ د. عبدالواحد الحميد الامين العام لمجلس القوى العاملة محاضرته الهامة التي القاها بالغرفة التجارية الصناعية بمنطقة الجوف التي نظمتها الغرفة ضمن المنظومة الخاصة بالاحتفال بمهرجان الجوف الصيفي الاول. المحاضرة جاءت تحت عنوان: (قضايا وتحديات في مجال القوى العاملة بالمملكة) وقد تحدث د. الحميد قائلا: سعيا لاستجلاء اهم القضايا المتعلقة بالقوى العاملة في المملكة يتعين في البداية القاء بعض الضوء على سوق العمل عندنا حيث يعتمد هذا السوق على تفاعلات قوى العرض والطلب الا انه يتمتع بخصوصية تختلف عما هو منظور في اسواق العمل التقليدية لكونه يعتمد الى حد كبير على العمالة الوافدة من اسواق عمل خارجية لتحقيق الموازنات الهيكلية في محددات عنصر العمل اللازمة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويتماثل في ذلك ايضا مع اسواق العمل في الدول العربية الخليجية حيث تفاقمت الزيادة الحادة والمفاجئة في حاجتها للعمالة، وادى ذلك الى مولد تجربة جديدة قد نطلق عليها مسمى (التنمية الاقتصادية مع عروض محدودة للعمالة).وقد ظلت الفجوة بين قوى العمل المتاحة والحاجة الى العمالة تتزايد بمعدلات عالية باعتبار ان نسبة هذه الفجوة الى اجمالي قوة العمل المتاحة تعكس مدى اعتمادها على العمالة الوافدة.. يتضح ذلك بصورة اكثر من خلال استعراض الملامح الاساسية لسوق العمل في المملكة والعوامل المؤثرة عليه وما يتصل بها من علاقات ارتباطية. ان ابرز ملامح سوق العمل في المملكة هي: 1- قوة العمل السعودية في عام 1422ه: * بلغت نسبة قوة العمل السعودية في المملكة (43ر35%) من اجمالي عدد السكان السعوديين (15 سنة فأكثر) في عام 1422ه شكل المشتغلون ما نسبته (66ر91%) والمتعطلون (34ر8%) من اجمالي قوة العمل السعودية (15 سنة فأكثر). * النسبة العظمى من قوة العمل السعودية تتركز فيمن تتراوح اعمارهم من (20 -39) سنة حيث ان حوالي ثلثي القوى العاملة السعودية اي ما نسبته (91ر65%) في مدى العمر من (20) سنة الى (39) سنة وللذكور سجلت النسبة لنفس مدى العمر (59ر62%) وللاناث بلغت النسبة (48ر85%). * نسبة التعليم بين السكان داخل قوة العمل بلغت (48ر9%) وسجلت نسبة التعليم بين الذكور (67ر89%) وبين الاناث (20ر95%) وقد بلغت اعلى نسبة بين السكان الذكور الداخلين في قوة العمل لحملة شهادة البكالوريوس بما يعادل (65ر22%) بينما تركزت هذه النسبة بين السكان الاناث في حملة شهادة البكالوريوس حيث بلغت (44ر47%). 2- التوزيع المهني للعاملين السعوديين حسب المهن الرئيسية: * غالبية العاملين السعوديين (15 سنة فأكثر) هم من العاملين في الخدمات بنسبة بلغت (69ر28%) يليهم فئة العاملين في المهن الفنية والعلمية بنسبة (98ر27%). * ان ادنى نسبة هي للعاملين الاداريين حيث بلغت (56ر3%). * ان ما نسبته (62ر83%) من العاملات السعوديات يعملن في المهن الفنية والعلمية، وادنى نسبة للعاملات من فئة الاداريات حيث بلغت (18ر0%). 3- العمالة السعودية والعمالة الوافدة في عام 1422/1423ه: * اجمالي العمالة في المملكة (325ر9) مليون. * نسبة السعودة (80ر35%) من اجمالي العمالة. * العاملون في القطاع الاهلي بالمنشآت التي يعمل بها (10) عمال فأكثر في عام 1422ه: المنشآت التي يعمل بها 10 عمال الى 50 عاملا نسبة السعوديين 40ر6% نسبة العمالة الوافدة 60ر93% المنشآت التي يعمل بها 51 عاملا واقل من 100 عامل نسبة السعوديين 28ر11% نسبة العمالة الوافدة 72ر88% المنشآت التي يعمل بها 100 عامل فأكثر نسبة السعوديين 41ر20% نسبة العمالة الوافدة 59ر79% * حوالي 96% من العمالة الوافدة تعمل في القطاع الخاص وتتركز في نشاط تجارة الجملة والتجزئة بنسبة (65ر37%) ونشاط التشييد والبناء بنسبة (28ر32%). * نسبة السعودة في القطاع الحكومي تبلغ حوالي 89% وان العمالة الوافدة التي تعمل في هذا القطاع معظمها تعمل بالقطاع الصحي والتعليم العالي. * متوسط الراتب الشهري في القطاع الخاص. المتوسط العام 2360 ريالا للسعوديين 6166 ريالا لغير السعوديين 1638 ريالا تحديات رئيسية تواجه سوق العمل ويمضي د. الحميد قائلا: لقد ادت الاختلالات في سوق العمل الى افراز بعض القضايا المهمة ويصعب مناقشة جميع هذه القضايا في ورقة واحدة، الا ان التركيز - هنا - سيكون على بعض القضايا الملحة مثل: * البطالة * انتاجية وانضباط العمالة السعودية * الحد الادنى للاجور * المرأة وسوق العمل * ظاهرة التستر اولا: البطالة: تعتبر البطالة واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد العالمي اذ لا يوجد مجتمع في العالم لا يشكو البطالة وبالنسبة للمملكة فان معدل البطالة حسب تقديرات مصلحة الاحصاءات العامة يبلغ (34ر8%) من اجمالي قوة العمل السعودية عام 1422ه (2001م) علما بان البطالة في المملكة لم تنشأ عن انخفاض الطلب الكلي، او وجود منشآت تأثرت او اغلقت بسبب الكساد وانما هي بطالة هيكلية افرزتها ظروف حدثت على هامش التنمية الاقتصادية التي غيرت ملامح الاقتصاد الوطني فأصبحت بعض الحرف والمهن التي لم يكن عليها اقبال في السابق مطلوبة بينما تقلص الطلب على بعض المهن الاخرى. بتعبير آخر لدينا اشخاص متعطلون ووظائف شاغرة ولكن قد لا تكون المهارات الحالية لبعض المتعطلين ملائمة لهذه الوظائف وتتمثل الخطوة الاولى في حل هذه المعضلة بالتدريب على الوظائف الموجودة في سوق العمل التي استقدمت لها عمالة اجنبية لتشغيلها بصفة مؤقتة لانها في حقيقة الامر وظائف شاغرة لابد ان يشغلها المواطن. انطلاقا من ذلك فان البطالة في المملكة تحتاج الى معالجة تتم بتضافر جهود جميع الجهات المعني ويمكن مواجهة مشكلة البطالة من خلال المسارات الآتية: 1- مناهج التعليم في الجامعات والكليات والمعاهد: مما لاشك فيه ان التعليم الجامعي في المملكة وفي مكان يبقى دائما في قلب التغيير واساس التطوير لتتواكب مخرجاته مع متطلبات سوق العمل، فبناء ارتباطات قوية فيما بين مناهج التعليم والجامعات والكليات والمعاهد السعودية وبين الاقتصاد يعد احد اهم التحديات التي نواجهها في ظل المتغيرات المتسارعة في عصر المعلومات والمعلوماتية. 2- مسئولية ايجاد فرص العمل: وهي مسئولية ثلاثية الابعاد وتكاملية واطرافها الثلاثة هي الدولة والقطاع الخاص والشباب انفسهم وهم مطالبون بهذا الدور ففي مجال التوظيف تحمل الجهاز الحكومي العبء الاساس في التوظيف خلال السنوات الاولى من بداية التنمية الشاملة نتيجة تزايد متطلباته من العمالة في مختلف الفئات والمستويات والتخصصات للاضطلاع بمسئوليات برامج ومشروعات التنمية الوطنية الى ان تشبعت معظم اجهزته وتقلصت احتياجاتها من العمالة. 3- سياسات اخرى تسرع في المواءمة بين متطلبات سوق العمل وتخصصات الخريجين الحالية: تعتبر المواءمة بين التعليم وحاجات سوق العمل مطلبا في الوقت الحاضر لاسيما بالنسبة لمن لم ينخرطوا حتى الآن في سلك العمل, ولا سبيل لذلك الا باعادة التدريب والتأهيل, والتدريب التحويلي, وهذه ليست مسؤولية الدولة فقط وانما يشاركها في ذلك القطاع الخاص باعتباره الموظف الرئيس للعمالة والمستفيد من مخرجات هذا التدريب. ان التأقلم مع المتطلبات المتغيرة لسوق العمل هو احد السمات الاساسية لسوق العمل العالمي في الوقت الحاضر وليس المملكة وحدها, فعلى هذا الصعيد حدثت تغيرات هيكلية في الاقتصاد مثل التغير في تقنيات الانتاج, والتجارة الدولية, وغير ذلك.. مما ترتب عليه ان بعض التخصصات اصبحت غير مطلوبة وفي حاجة الى تطوير وتأهيل وتدريب تحويلي. اضافة الى ذلك فان التدريب والتعليم هما عملية مستمرة وينبغي ان ندرك ذلك لكي يكون الانسان متطورا مهنيا وناجحا في عمله. في هذا السياق نجد تزايدا على الصعيد العالمي في عدد المنظمات التي تهتم بالتعليم المستمر للخروج من بؤرة التدريب التقليدي الى هذا النوع من التعليم الذي يؤدي الى زيادة التأثير في عملية التعليم والتدريب نفسها مما يؤدي الى اكساب العاملين مهارات وقدرات جديدة بصفة مستمرة ويظهر ذلك بوضوح اكثر في اليابان حيث ان معظم منظماتها قائمة على التعليم المستمر بصورة اساسية. وقد قام مجلس القوى العاملة بوضع وتنفيذ العديد من الدراسات والخطط والسياسات لمعالجة اسباب الاختلالات النوعية والكمية في سوق العمل جراء عدم التواءم بين المخرجات التعليمية والتدريبية واحتياجات السوق. ويأتي ضمن هذه السياسات والخطط توسيع قاعدة التعليم الفني والتدريب المهني, وتحسين نوعيته, ووضع واقرار استراتيجية لتنمية القوى العاملة, ودراسة انشاء صندوق تنمية الموارد البشرية (الذي اقره مجلس الوزراء وبدأ عمله الفعلي), وتشجيع القطاع الاهلي على المشاركة الفعالة في تأهيل وتدريب العمالة الوطنية بما يتفق مع احتياجاته مع العمالة المدربة وانشئت مراكز ومعاهد التدريب الاهلية كأحد المسارات في هذا المجال, كما اصدر المجلس العديد من القرارات التي تقصر العمل في بعض المهن والانشطة على السعوديين, وقرارات اخرى بالسعودة التدريجية في انشطة القطاع الخاص.. وغير ذلك من سياسات وموجهات وآليات تنفيذها. ثانيا: انتاجية وانضباط العمالة السعودية: تتأثر الانتاجية بتركيب ونوعية عنصر العمل, كما تتأثر بالمهارات, ومستويات التعليم والتدريب ومدى قدرة العامل على استخدام التكنولوجيا واساليب الانتاج الحديثة والسيطرة عليها. ورغم الاهتمام المتزايد بتحسين انتاجية العمالة الوطنية في خطط التنمية الا ان الدراسات ذات العلاقة تشير الى ان الانجازات المتحققة في هذا المجال ما زالت اقل من المستويات المأمولة والمستهدفة. ومع انه لاتوجد بيانات كافية عن قياس العوامل المؤثرة في الانتاجية الا ان الدراسات المتاحة قد اشارت الى وجود علاقة معنوية بين التعليم والتدريب والتقنية والانتاجية. والعناصر الاربعة تمثل معادلة حاكمة في سوق العمل, فالانتاجية احد اهم آليات ايجاد التوازن بين الطلب على العمالة والعرض منها اذ ان زيادة انتاجية العمالة الوطنية تؤدي الى تقليل استقدام العمالة الوافدة. ثالثا: الحد الادنى لاجور العمالة الوطنية في القطاع الاهلي: تهتم الدول عموما, والدول الصناعية بشكل خاص, بموضوع الاجور التي يتقاضاها العاملون في القطاعين الحكومي والخاص لانها تمثل حوالي 60% من دخلها الوطني. ويطبق الحد الادنى للاجور في بلدان متطورة ونامية كثيرة, وقد اشارت دراسة قام بها البنك الدولي عام 1998 وشملت 16 دولة نامية الى ان هناك عددا من الدول النامية التي تطبق سياسة الحد الادنى للاجور, ووضعت انظمة تشتمل على مجموعة كبيرة من مستويات الحد الادنى للاجور تصل الى 80 نوعا (من تقرير للغرفة التجارية الصناعية بالرياض). وتختلف ظروف هذه الدول عن اوضاع وظروف المملكة فالعمالة بهذه الدول ذات تركيبة متجانسة في حين ان العمالة في المملكة لا تتسم بخاصية التجانس ففيها عمالة وافدة من حوالي 195 دولة تمثل عمالتها حوالي 74% من اجمالي العمالة في المملكة. الاجور في المملكة والمستويات الدولية: وبداية من المناسب التعرف على وضع الاجور في المملكة مقارنا بالمستويات الدولية في ضوء البيانات المتاحة. يمكن مقارنة وضع الاجور في المملكة من خلال التعرف على متوسط الاجر في الساعة من بعض الدول التي توفرت بياناتها وبين متوسط الاجر في المملكة وفق نشرة منظمة العمل الدولية عن هذه الدول عام 1990م حيث تبين الآتي: أ- ان ترتيب المملكة جاء في المرتبة العاشرة بين الدول التي شملتها الدراسة حسب الترتيب التالي (الدانمرك - كندا - المانيا - فنلندا - الولاياتالمتحدةالامريكية - بلجيكا - بريطانيا - اسبانيا - فرنسا - ثم المملكة العربية السعودية - اليونان - رومانيا). ويمكن القول ان المقارنة هنا مع الدول المتقدمة لن تكون موضوعية ما لم تتوفر بيانات حديثة للمقارنة بدول اخرى مثل دول الخليج والدول الاخرى ذات الظروف المشابهة. وقد بلغ معدل النمو المتوسط للاجور في المملكة 4.39% وهو معدل منخفض اذا ما قورن بمعدل نمو الاجور في الدول المتقدمة والصناعية عموما, كما ان هناك انخفاضا ملحوظا في اجور العاملين في منشآت القطاع الخاص حيث انخفض الاجر المتوسط للعامل من 100 كرقم قياسي في عام 1995م الى 90.7 في عام 1999م, وقد كان اكبر تغير في متوسط الاجور خلال عامي 1998, 1997م حيث انخفضت الاجور بمعدل 6.31%. رابعا: المرأة السعودية واسهامها في سوق العمل: بلغ اجمالي قوة العمل النسائية في المملكة عام 2002م (1422/1423ه) 1.039 مليون عاملة. وكان عدد السعوديات 390 الفا, بينما بلغ عدد غير السعوديات 649 الفا.. اي ان نسبة السعوديات 37.52% ونسبة غير السعوديات 62.48% من اجمالي قوة العمل النسائية. ومن اهم المشكلات التي تواجه عمل المرأة الآتي: 1- قلة المجالات المطروحة والمتاحة لعمل المرأة (90% من السعوديات العاملات يعملن في تعليم البنات). 2- النمو السريع في عدد الخريجات السعوديات من مراحل التعليم المختلفة وزيادة عدد الراغبات في العمل منهن بمعدلات سنوية تفوق الكثير من الفرص الوظيفية المتاحة في القطاعين الحكومي والاهلي. 3- عدم المواءمة النوعية والكمية بين بعض تخصصات الخريجات المطلوبة والتخصصات المعروضة لهن في سوق العمل. 4- اصرار بعض الباحثات عن العمل على وجود الوظيفة قرب المنزل بقدر الامكان. 5- مشكلات تنظيمية وادارية كمواعيد الدوام الرسمي, واجازات الوضع والحضانة. وقد ادرك المجلس اهمية ايجاد منطلقات عمل جديدة للمرأة ودخول اعداد كبيرة من السعوديات في قوة العمل التي ستزداد تباعا حيث من المتوقع ان يصل اجمالي قوة العمل السعودية النسائية في نهاية الخطة الخمسية السابعة الى 435.288 سعودية. خامسا: ظاهرة التستر وتتمثل اهم الاسباب التي تساعد على انتشار الظاهرة مرتبة تنازليا وفقا لرؤية الدراسة الميدانية في الآتي: 1- مغريات الكسب السريع باقل جهد مالي او عملي. 2- عزوف الكثير من المواطنين عن العمل اليدوي. 3- انعدام الرقابة اللاحقة على الانظمة. 4- وجود فائض من العمالة الاجنبية لدى بعض المنشآت. 5- سهولة اجراءات استقدام العمالة الاجنبية. آليات وسياسات رئيسية لمواجهة تحديات السوق ولقد تمت مواجهة التحديات السابقة من خلال عدة سياسات وآليات منها: اولا: سياسات تدعيمية للسعودة والتوظيف: في اطار معالجة مشكلات السعودة والتوظيف التي برزت في سوق العمل, تم وضع العديد من السياسات لاحتواء تلك المشكلات في القطاعين الحكومي والاهلي. ففي القطاع الحكومي تم تبني توجهات عديدة لاستيعاب العمالة الوطنية في الوظائف الحكومية تمثلت في وضع وتنفيذ ضوابط واجراءات تستهدف الاعتماد على الذات واتاحة فرص التوظيف للمواطنين. وتنظيم التعاقد مع غير المواطنين في مختلف اجهزة الدولة على اساس مبدأ الوظيفة للمواطن. اما في القطاع الاهلي الذي يعتبر المجال الطبيعي لاستقطاب وتوظيف العمالة الوطنية المتزايدة لكونه يمثل القطاع الارحب والاوسع نشاطا والاقدر على الاستمرار في تنمية فرص العمالة بمجالاتها المتنوعة, فقد تم وضع ومتابعة تنفيذ العديد من السياسات والاجراءات التي تستهدف معالجة اوضاع العمالة الوطنية, وزيادة معدلات توظيفها في هذا القطاع بما يتفق مع التطورات في تأهيلها وتدريبها واعداد المعروض منها في سوق العمل. وهنا اتناول قرار مجلس الوزراء رقم 50 وتاريخ 21/4/1415ه الخاص بالسعودة والاحلال التدريجي، وهو من اهم وابرز قرارات السعودة حيث يشتمل على قواعد لزيادة توظيف العمالة الوطنية في منشآت القطاع الاهلي وآليات لتنفيذ تلك القواعد وقد حرص القرار على وضع اجراءات تضمن دقة تنفيذ القواعد والاحكام الموضوعة والالتزام بها من قبل المنشآت الاهلية. وقد راعى هذا القرار الموازنة بين الزامية القواعد والاحكام التي صدر بها والمرونة في تطبيقها. فبينما اوجب القرار الالتزام بقواعد التوظيف المقررة تضمن ايضا حيزا كبيرا من المرونة. لكن هناك مشكلات تعيق تطبيق هذا القرار وتتلخص في: عدم الالمام والفهم الكامل للقرار من حيث التفاصيل الخاصة بمضامينه وابعاده وغياب الجدية من قبل بعض منشآت القطاع الاهلي في تطبيق القرار. واكد د. الحميد ان هناك عوامل كثيرة يجب توفرها لضمان تطبيق القرار وفعاليته في تحقيق النتائج المرجوة منها: فهم مضمون القرار وابعاده ومتطلباته من قبل كافة الجهات المعنية بتنفيذه. بناء قاعدة متكاملة من معلومات القوى العاملة السعودية وغير السعودية حسب المنشآت المعنية ونشاطاتها ومواقعها وحسب حجم العاملين بها. المتابعة الميدانية المستمرة من قبل الجهات التنفيذية المختصة للتأكد من واقع العمالة وصحة البيانات التي توفرها المنشآت. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الآلية التي وافق سمو وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة عليها بناء على التصور الذي اوصى به امناء مجالس المناطق وامين عام مجلس القوى العاملة الذي توصلوا اليه في اجتماعهم الدوري الاول الذي عقد بمقر امانة مجلس القوى العاملة بالرياض في عام 1417ه وتتكون الآلية من شبكة من لجان السعودة تشمل لجنة عليا في كل منطقة تتبعها لجنة تنفيذية تنبثق عنها فرق ومجموعات عمل ميدانية. ويتم التنسيق بين المناطق المختلفة مباشرة. ثانيا: لجان السعودة بامارات المناطق وتتولى هذه اللجان الرئيسية وضع التوجيهات والخطط العامة للمتابعة الميدانية لتنفيذ جميع ما صدر من تعليمات وانظمة وقرارات خاصة باحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة وقصر بعض المهن على السعوديين مع العمل على مساعدة المواطنين في اقتحام مختلف مجالات العمل بما يتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم والعمل بقدر الامكان حسب ظروف كل منطقة بشأن التوسع في الاعمال التي تقتصر على السعوديين في اطار مرونة تراعي التباينات المختلفة للمناطق. ثالثا: صندوق تنمية الموارد البشرية والتنظيم الوطني للتدريب المشترك: ويتكامل هذان المساران في دعم سياسات التدريب من اجل التوظيف وزيادة توظيف العمالة الوطنية بالقطاع الخاص بعد تدريبها وتأهيلها في برامج تلبي احتياجات سوق العمل.حيث يهدف الصندوق ايضا الى دعم جهود تأهيل القوى العاملة الوطنية وتوظيفها ودعم وتمويل برامج ميدانية ومشاريع وخطط ودراسات تهدف الى توظيف السعوديين واحلالهم محل العمالة الوافدة. ان آلية عمل الصندوق الحالية تتضمن ان يتحمل الصندوق للجهة الموظفة نسبة 75% من راتب ومزايا العامل اثناء فترة تدريبه على رأس العمل، بحيث لاتزيد هذه الفترة على سنتين، ولاتزيد مساهمة الصندوق على 1500 ريال شهريا، وتكون الجهة الموظفة مسؤولة عن تكاليف التدريب، كما يتحمل الصندوق لمدة سنة نسبة 50% من راتب ومزايا العامل بعد تدريبه على رأس العمل، على ألا تتجاوز مساهمة الصندوق مبلغ الفي ريال شهريا لكل عامل وان الصندوق ومنذ ان باشر مهام عمله وفق توجيهات مجلس الادارة الذي يرأسه سمو وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة حيث تم توجيه ايرادات الصندوق من رسم تجديد اقامات العمالة الوافدة وقدره 100 ريال، ورسم سنوي مقداره 50 ريالا عند اصدار رخص العمل او تجديدها للعمالة الوافدة منذ بداية التحصيل في 1/1/1422ه وقد بدأ الصندوق في ممارسة انشطته، وذلك من خلال برامج التدريب المرتبط بالتوظيف والتوظيف المباشر التي اقرها مجلس ادارة الصندوق. وقد استطاع الصندوق خلال فترة قياسية من عمره وحتى نهاية شهر ربيع الاخر 1424ه ان يخطو خطوات واسعة في سبيل تحقيق اهدافه، وتمثل ذلك في توقيع اتفاقيات مع عدد من منشآت القطاع الخاص بلغ عددها 153 اتفاقية لتدريب وتوظيف 556ر13 مواطنا في العديد من الوظائف التي يحتاج اليها سوق العمل بما في ذلك برامج التدريب الوطني للتدريب المشترك التي يمولها الصندوق وتشترك في تنفيذها كل من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني والغرف التجارية الصناعية. أما التنظيم الوطني للتدريب المشترك: فتقوم فلسفة المشروع اساسا على التدريب من اجل التوظيف طبقا لاحتياجات منشآت القطاع الخاص، ويتم التدريب داخل المنشأة التي سيتم توظيف المتدرب بها حيث يبرم عقد تدريب وتوظيف بين المؤسسة ومشروع التنظيم. ويتقاضى المتدرب مكافأة تدريب الى ان تنتهي فترة هذا التدريب ويتم توظيفه وفق نصوص وضوابط عقد التوظيف. وأهم الاسس العامة للتنظيم: التنظيم مبنى على التوازن في المسؤوليات بين اربع جهات: المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني. صندوق تنمية الموارد البشرية. الغرف التجارية الصناعية. شركات ومؤسسات القطاع الاهلي. المشاركة في التنظيم متاحة لجميع الشركات والمؤسسات الراغبة وفق ضوابط التنظيم. تتيح المؤسسة للراغبين من خريجي التنظيم استكمال دراساتهم في البرامج المتاحة وفق تخصصهم. لمكاتب العمل دور مهم في هذا التنظيم لضمان مصالح المتدربين. اسناد دور كبير للغرف التجارية الصناعية في مجال الاشراف وتقييم تطبيق هذا التنظيم. توزيع الاعباء المالية المترتبة على تنفيذ التنظيم على الجهات المشاركة في تطبيق هذا التنظيم. تعتبر المكافأة التي يحصل عليها المتدرب اثناء فترة التدريب اجرا يتقاضاه نظير الاعمال التي يقوم بها للمنشأة. وفي الختام لخص د. عبدالواحد الحميد اهم ما تضمنته محاضرته قائلا: تناولت هذه الورقة بعض القضايا المحورية التي تمثل تحديا في تنمية القوى العاملة الوطنية وتدريبها وتوظيفها باعتبار ان القوى العاملة الوطنية المتعلمة والمتدربة باستطاعتها ان تؤدي دورها في مجال التنمية الاقتصادية الحديثة في المملكة، وتحد في الوقت نفسه من العمالة الوافدة وصولا الى بلوغ الاستخدام الكامل والامثل للقوى العاملة الوطنية. في اطار هذا المنظور تم القاء الضوء على الملامح الرئيسة لسوق العمل في المملكة وخصائصه الكمية والنوعية وما يواجهه من اختلالات افرزت بعض القضايا التي تم تناولها وفي مقدمة هذه القضايا البطالة باعتبارها واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد العالمي بشكل عام. ان معدل البطالة في المملكة حسب تقديرات مصلحة الاحصاءات العامة يبلغ 34ر8% من اجمالي قوة العمل في عام 1422ه وهي بطالة هيكلية افرزتها ظروف حدثت على هامش التنمية الاقتصادية. الواقع يقول ان لدينا اشخاصا متعطلين، ووظائف شاغرة تشغلها عمالة وافدة بصفة مؤقتة، قد لاتكون المهارات الحالية لبعض المتعطلين ملائمة لهذه الوظائف، والحل هو التدريب والتأهيل وتضافر الجهات المعنية في حل هذه المعادلة ويأتي في مقدمتها القطاع الخاص الموظف الرئيس للعمالة. وتتخذ مواجهة مشكلة البطالة مسارات عدة منها مناهج التعليم، ومسئولية اطراف هذه المعادلة وهي مسئولية ثلاثية الابعاد وتكاملية اطرافها الدولة والقطاع الخاص والشباب انفسهم، ومن خلال سياسات اخرى تسرع في المواءمة بين متطلبات سوق العمل وتخصصات الخريجين الحالية ومنها الانتاجية، وانضباط العمالة السعودية وقضية الاجور وحدها الادنى للعمالة الوطنية في القطاع الاهلي حيث اشير في هذا الجانب الى موقع مستوى الاجور في المملكة مقارنا بالمستويات الدولية مع توضيح للآثار المترتبة على وضع حد ادنى للاجور على الاقتصاد الوطني، ومدى توافق وضع هذا الحد مع الاتفاقيات والمعايير الدولية، وهو ما تدرسه حاليا الامانة العامة لمجلس القوى العاملة من خلال دراسة معمقة تراعي اهمية وجود علاقة سليمة تربط بين الاجور والانتاجية والاسعار. من القضايا المحورية الاخرى ذات العلاقة بسوق العمل والبطالة التي تم تناولها قضية اسهام المرأة السعودية في سوق العمل والتي لاتتجاوز نسبتها 55ر4% من اجمالي العمالة في عام 1422/1423ه كما تم تناول اهم المشكلات التي تواجه عملها والمتمثلة في قلة المجالات المطروحة والمتاحة لعمل المرأة،والنمو السريع في عدد الخريجات السعوديات، وعدم المواءمة النوعية والكمية في بعض تخصصات الخريجات والتي في معظمها نظرية ومتطلبات سوق العمل وغير ذلك من عوامل اخرى اشير اليها. ولقد اتخذ مجلس القوى العاملة بعض الاجراءات والتدابير لتوسيع عمل المرأة في ضوء الالتزام بضوابط الشريعة الاسلامية. من قضايا اختلالات سوق العمل ايضا ظاهرة التستر والتي تعتبر من اخطر الظواهر التي يعاني منها الاقتصاد السعودي. وقد اشير الى طبيعة هذه الظاهرة واسبابها واشكالها، والانشطة التي يكثر فيها التستر، والآثار الناجمة عن الظاهرة. ان مواجهة هذه الاختلالات والافرازات تتطلب سياسة تدعيمية تهدف اساسا الى توظيف العمالة الوطنية والسعودة ومنها سياسات قصر العمل في بعض المهن والوظائف على السعوديين والاحلال التدريجي في مهن ووظائف اخرى محل العمالة الوافدة، والقرار 50 لسنة 1415ه، الخاص بالسعودة والاحلال التدريجي والقيام بالمراجعة المستمرة لضوابط واجراءات استقدام العمالة، ومراجعة منظومة التعليم والتدريب، وتطوير الانظمة والتشريعات ومنها نظام العمل الجديد الذي يدرس مشروعه حاليا بمجلس الشورى، وصدور نظام التأمينات الاجتماعية، وقيام مجلس القوى العاملة باصدار استراتيجية لتنمية القوى البشرية، واستراتيجية فرعية لتنمية القوى العاملة الصحية وتحفيز القطاع الخاص في سعودة وظائفه بمنح المنشآت والشركات المتميزة في هذا المجال جائزة سمو رئيس مجلس القوى العاملة للسعودة وغير ذلك من سياسات اخرى داعمة. في هذا الاطار ايضا شكلت لجان للسعودة بامارات المناطق فهناك لجنة رئيسية عليا للسعودة برئاسة امير المنطقة او من ينيبه وعضوية ممثلين عن الجهات المعنية في المنطقة، يتفرع منها لجان تنفيذية وفرق ميدانية لمتابعة تطبيق السعودة على مستوى كل منطقة ولقد قامت هذه اللجان بجهود ومبادرات لها مردوداتها الايجابية على قضية السعودة والتوظيف. من السياسات والبرامج الداعمة الاخرى انشاء صندوق تنمية الموارد البشرية وقيام مشروع التنظيم الوطني للتدريب المشترك ويتكامل هذان المساران في دعم سياسات التدريب من اجل التوظيف من خلال برامج تلبي احتياجات سوق العمل، وقد القينا الضوء على اهداف هذين المشروعين ومسارات عملهما وانجازاتهما. ان قضايا القوى العاملة في المملكة لها ابعاد متداخلة ومتشابكة ومتقاطعة وقد حاولنا في هذه الورقة التركيز على اهم هذه القضايا المطروحة في سوق العمل وذات العلاقة الوثيقة بالتوطين والتعليم والتدريب والتوظيف.