مع تشخيص سوق العمل، يتبين لنا بأننا استقدمنا عمالة وافدة أكثر من احتياجنا اقتصاديا؛ مما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة للسعوديين، بالإضافة لولادة بطالة لغير السعوديين، وأحد الأدلة على ذلك نراها مع حملات التصحيح التي من خلالها يتم الإعلان عن القبض على أرقام ليست بقليلة من العمالة المخالفة، ولكن يبقي السؤال المهم: هل ترحيل تلك العمالة وإيقاف استقدامها بحجة إحلال توظيف المتعطلين السعوديين بدلا منهم هو الحل السليم للقضاء على مشكلة البطالة للسعوديين؟. العمل الشريف ليس عيبا، وأحترم كل من قدم مقترحاته لمعالجة البطالة، ولكن أختلف مع التركيز الوحيد على إيجاد الحلول فقط من خلال صندوق الوظائف التكميلية دون النظر للوظائف الأخرى التطويرية بما فيها الوظائف القيادية والتي يشغلها غير السعودي، ولذلك من المهم التفرقة بين التوجه لتصحيح وضع العمالة الوافدة وبين التوجه لإحلال المتعطلين السعوديين بدلا منهم في وظائف لائقة كما هو منصوص في أحد أهداف وزارة العمل في برنامج التحول الوطني. سوق العمل السعودي لا يمكن أن نعالج تشوهاته بفترة قصيرة؛ لأنه «أدمن» على الأيدي العاملة الوافدة وخاصة متدنية الأجر، و«السبب الرئيسي» لذلك تأخرنا في إدخال التقنية واستخدام التكنولوجيا في العديد من القطاعات خاصة قطاع التجزئة والذي ما زال يسيطر عليه الطابع التقليدي مقارنة بدول الخليج، وهذا ما أدركناه من خلال الالتزام بوجود قطاع تجزئة متطور وفقا لوثيقة رؤية المملكة. في المرحلة السابقة كنا في دوامة الاتكالية مما تسبب في أقلية الأيدي العاملة السعودية مقارنة بالوافدة في سوق العمل، وحتى نكون منصفين، الحلول السابقة والحالية للبطالة أغلبها مؤقتة وتسببت في آثار سلبية زادت من المشكلة، وكانت نتائجها ضارة على سوق العمل وجميع أطرافه «العامل، صاحب العمل، ووزارة العمل»، وأدت إلى ولادة «البطالة المقنعة» والتي أعتبرها من أسوأ أنواع البطالة لأن تأثيرها سلبي جدا على الإنتاجية والاقتصاد وتسببت في وجود «العمالة الناقصة» والذي لا يتمنى أي اقتصادي أن نصل لها، ولذلك من المهم أن نغير مسارها حتى لا يزيد الطين بلة. العمالة الناقصة هي العمالة التي نجدها تعمل بجزء من قدراتها وليس بالكامل، فعلى سبيل المثال عندما نجد شخصا يحمل مؤهلا جامعيا في الاقتصاد واضطر للعمل في وظيفة «كاشير» لأنه لم يستطع الحصول على وظيفة في مجاله، وكوجهة نظر شخصية أرى أن سبب ذلك هو عدم تشخيص معنى «المتعطلين عن العمل» بالشكل الصحيح بسبب مساواتنا بين «المُعطل» و«العاطل»، فلقب «العاطل» عندما يُطلق على صاحب مؤهل أعلى من الثانوية ومستعد للعمل حالا بالرغم من تواجد عامل وافد بنفس مؤهلاته ومهاراته ويعمل بسوق العمل السعودي يُعد إجحافا، فهذا الفرد يعتبر «مُعطلا» ومن المهم أن نُفرق بينه وبين «العاطل» الذي لا يكترث لتطوير نفسه ويستغل تسجيل بياناته للحصول على إعانات فقط وتجده مُهملا مما يمتد ضرره حتى على أصحاب العمل. البطالة قضية المسؤول الأول عنها وزارة الاقتصاد، وتنظيم سوق العمل مشكلة المسؤول الأول عنها وزارة العمل، وبالوضع الحالي، عدم تحرك وزارة الاقتصاد الفعلي في هذه القضية سيضعف من دور وزارة العمل في تنظيم سوق العمل للتعامل مع قضية البطالة، وستنصب حلولها في البطالة المقنعة والعمالة الناقصة، وهذا الحال سيختلف إذا تشجعت وغيرت وزارة العمل منهجيتها ومسارها وركزت على الحلول الفعالة «للمُعطلين» قبل «العاطلين» من خلال الإحلال الصحيح وتحفيز توظيف السعوديين في المناصب القيادية. ختاما.. البطالة المقنعة ستضعف من مساهمة القطاع الخاص في التوظيف والتوسع، ولذلك «التحفيز» قبل «الإلزام» سيكون مجديا لجميع الأطراف.