ما زلت أذكر قصة قرأتها في طفولتي، من أساطير الشعوب القديمة تتحدث عن عائلة بسيطة أعطاها صديق لهم قطعة خشبية سحرية على شكل «كف القرد»، ولديها القدرة على تحقيق ثلاث أمنيات، لكنه حذرهم بضرورة توخي الحذر لوجود مفاجآت غامضة قد تصاحب هذه الأمنيات، فلم تهتم الأسرة بتاتا للتحذير وتمنت على الفور مبلغا كبيرا من المال ثم ذهبت للنوم، وفي ظهر اليوم التالي قرع بابهم رجل وقور أبلغهم بأخبار مفجعة عن حادث أليم وقع لابنهم أفقده الوعي والقدرة على الحركة، وسوف تمنحهم الشركة مبلغا كبيرا من المال كتعويض عن ذلك، واتضح أنه نفس المبلغ الذي تمنوه ليلة البارحة، فاستلماه من الرجل بنفوس مكتئبة وحزينة. بعد مرور عشرة أيام هبت الأم واقفة وهي تصرخ، أين كف القرد، ما زال لدينا أمنيتان، وأقنعت زوجها في استخدام الكف مرة ثانية حتى يستعيد ابنهما الوعي، وبعد أيام قليلة كان هناك طرق قوي على الباب، لقد عاد ابنهما ولكن في صورة شخص مضطرب نفسيا ويعاني نوبات الصرع والتشنج العصبي، وأربك حياتهما كثيرا بمزاجه المريض، وفي النهاية لم تبق سوى أمنية واحدة فاتفقا أن يتمنيا أن تعود الأمور كما كانت تماما قبل كف القرد وأن يتخلصا منها فورا بعد ذلك. للقصة تحليلات عديدة، ولكن المغزى الذي استرعى انتباهي هو أن واقعنا الشخصي يتشكل من خلال اعتقاداتنا وأمانينا، وعلينا أن نكون دقيقين في اختيار ما نتمنى إذا أردنا أن يكون سببا لسعادتنا، وأن نقبل الاعتراف بأن جميع مشكلاتنا الحالية قد صنعتها أمانينا الماضية، ونستطيع التدرب على تطوير مهاراتنا في اختيار أمنيات ذات رؤية أعمق داخليا وأرقى إنسانيا. ومن الأمور الشائعة لدى الناس الشعور بالتمزق بين أمنيتين أو أكثر، والبعض يبددون أيام عمرهم في الشكوك والتردد والتفكير المقلق دون جدوى، ويمكننا القول إن معظم مشكلاتنا النفسية تأتي نتيجة للأفكار الغامضة وغير الواضحة الخاصة حول الأمنيات والرغبات، وإن معظم المعاناة ستختفي وسوف تتلاشى الصراعات الداخلية لو تعلمنا كيف نحدد ما نريد بالتفصيل والوضوح والصياغة الإيجابية، وأن نضيف دوما في نهاية كل أمنية عبارة «بالعافية وأفضل الاحتمالات» لأن الأمنيات أحيانا تتحقق بسهولة ولكن بمصاحبة ظروف وأوضاع تخدش بريقها، ولا تنس أن يكون لإسعاد الآخرين ونفعهم جزء كبير في أمنيتك فهذا سيحفز كثيرا من سرعة تحققها.