حينما فازت البرازيل بكأس العالم عام 2002 في كوريا واليابان، ووضعت على قمصان «راقصي السامبا» النجمة الخامسة كأكثر منتخبات العالم تحقيقا للبطولة الأغلى عالميا، تصدرت المدرسة البرازيلية المشهد العام في مختلف دول العالم وخاصة فيما يتعلق بتعيين الأجهزة الفنية لأندية أوروبا والعالم من الجنسية البرازيلية من منتصف القرن الماضي ولغاية مطلع القرن الجديد لما يزيد عن نصف قرن، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي عام 2003 كانت الدوريات الإسباني والإنجليزي والإيطالي والفرنسي تضم مدربين من البرازيل في مختلف الأندية لقيادة الأندية، حيث شهد الطابع العام للكرة العالمية وخاصة الأوروبية منها بروز المدرسة البرازيلية وظهور صبغتها على الأسلوب الفني والرسم التكتيكي داخل الملعب. فضيحة هوريزونتي تعصف بفكر سكولاري.. وشاموسكا يحمل الراية في «المحترفين السعودي» » ركيزتان رئيسيتان تعتمد المدرسة البرازيلية في عالم كرة القدم على ركيزتين رئيسيتين أبرزتا ظهورها وتسيدها على مختلف المدارس الكروية الأخرى ألا وهما (المهارة والحلول الفردية - السرعة)، حيث كان لإقحام هاتين الركيزتين في المدرسة البرازيلية سبب واضح ألا وهو قصر قامة اللاعب البرازيلي مقارنة بنظرائه من المدارس الكروية المختلفة الأخرى البارزة في ذلك الوقت كالمدرسة الإيطالية والمدرسة الإنجليزية والمدرسة الألمانية والتي وإن كانت تختلف في كثير من مضامينها، إلا أنها كانت تشترك في عامل واحد مهم ألا وهو القوة الجسمانية. » المدرسة الإسبانية وفي عام 2006 بدأ يلوح في الأفق بروز مدرسة جديدة ومنافسة للمدرسة البرازيلية، ألا وهي المدرسة الإسبانية التي تطفو على السطح بالتدرج، وأقحمت نفسها وسط عظام مدارس التدريب العالمية الأخرى. وفي عام 2008، حققت إسبانيا كأس أمم أوروبا تحت قيادة الراحل أراجونيس، وأعلنت إسبانيا رسميا افتتاح مدرستها الكروية في عالم التدريب، والتي وإن كانت تشابه المدرسة البرازيلية شكلا من حيث التعامل مع اللاعبين قصار القامة من مبدأي المهارة والسرعة، إلا أنها مختلفة شكلا وأداء ومضمونا عن المدرسة البرازيلية، فالتكتيك الإسباني يعتمد على سرعة نقل الكرة وصنع المساحات واستغلال الفراغات، وهي اعتمادات تستأصل بها جذور المدرسة البرازيلية. » العناية المركزة بالرغم من كل هذا، كانت المدرسة البرازيلية تطل برأسها في أوروبا، ففي عام 2010، تواجد 12 مدربا برازيليا في الدوريات الخمسة الكبرى، لكن الأندية الأوروبية لم تقاوم إغراءات المدرسة الإسبانية التي صنعت ثورة جديدة في عالم كرة القدم، وبدأت شمس البرازيل الكروية تسير نحو الأفول، ودخل الفكر البرازيلي الكروي غرفة العناية المركزة، لكن أساطين اللعبة في البرازيل سعوا بكل جهد لإثبات أن الكرة البرازيلية هي الأكثر توهجا وتألقا عن مثيلاتها في العالم، وأنها لا تزال الفلسفة الكروية في بلاد السامبا التي بإمكانها الوقوف مرة أخرى والسير على قدميها، فقرر الاتحاد البرازيلي إسناد مهمة تدريب المنتخب الأول الذي سيستضيف نهائيات كأس العالم 2014 إلى المدرب الحاصل على اللقب عام 2002 الوطني لويس فيليب سكولاري، وتعيين المدرب الحاصل على لقب كأس العالم 1994 كارلوس البرتو بيريرا مساعدا له. » فضيحة هوريزونتي في يوم الثلاثاء الموافق 8-7-2014، شهد العالم فضيحة مدوية من العيار الثقيل تعد هي الأكبر في تاريخ نهائيات كأس العالم لكرة القدم، حينما فاز المنتخب الألماني على نظيره البرازيلي بنتيجة كبيرة قوامها سبعة أهداف لهدف على ملعب مدينة بيلو هوريزونتي، ليدق خواكيم لوف المسمار الأخير في نعش المدرسة البرازيلية ويعلن رسميا اختفاءها عن عالم التكتيك الكروي الحالي إلى الأبد. » سحب الثقة شرعت أندية أوروبا في سحب الثقة من المدربين البرازيليين، وبات تواجد المدرب البرازيلي في الدوريات الكبرى يثير علامات الاستفهام لدى العديد من النقاد الكرويين في أوروبا، حتى أصبح تواجد المدير الفني البرازيلي على رأس الأجهزة الفنية للأندية الأوروبية عملة نادرة من الصعب الحصول عليها. ولم يتكف الأمر إلى هذا الحد، بل بات بعض الأندية البرازيلية يبحث عن أجهزة فنية من جنسيات أخرى غير برازيلية، فتواجدت المدرسة الهولندية والأرجنتينية مع عدد من الأندية البرازيلية في الدوري البرازيلي للدرجة الأولى، وفي العام الماضي تعاقد ساوباولو البرازيلي مع الأوروجوياني دييجو أجيري لقيادة دفة الفريق في خطوة هي الأولى بالنسبة للفريق الحاصل على لقب كأس العالم للأندية عام 2005. » ندرة في ملاعب المملكة أما في دوري كأس الأمير محمد بن سلمان للمحترفين، فكان الطابع العام يشهد تواجد المدربين البرازيليين بكثرة؛ وذلك نظرا لتقارب الفلسفة الكروية للاعب السعودي مع نظيره البرازيلي مع فارق الإمكانيات، وكل ذلك يعود إلى التأسيس الكروي في منتصف السبعينات وأوائل الثمانينات، وذلك بجلب المدربين البرازيليين الكبار للتواجد مع الأندية والمنتخبات السعودية المختلفة، فتواجد سكولاري وكارلوس البرتو وزاجالو وسانتانا، وساهمت تلك الأسماء مع غيرها في رسم خريطة الكرة السعودية من الناحية الفنية، حيث المهارة والحلول الفردية هي السمة السائدة على اللاعب السعودي. وفي الموسم الكروي الحالي، ومع زيادة عدد الأندية السعودية إلى 16، ومع اقتراب الدوري من التواجد في المنعطف الأخير من منافساته، لم يعد المدرب البرازيلي يملك تلك السمعة التي كان يتميز بها في السابق، فلا يوجد مدرب برازيلي يشرف على الأندية ال16 في الدوري السعودي سوى مدرب نادي الفيصلي بريكليس شاموسكا، ومن قبله نادي الوحدة الذي تعاقد مع المدرب البرازيلي فابيو كاريلي قبل أن يقيل الأخير ويتجه لنادي كرونثيانز البرازيلي. » صفر كبير في أوروبا، وفي الدوريات الخمسة الكبرى (الإنجليزي - الإسباني - الإيطالي - الألماني - الفرنسي)، وبمجموع 98 ناديا، فإنه لا تواجد للمدرب البرازيلي في أي ناد من الأندية الثمانية والتسعين، وهو صفر كبير ينذر بالخطر على مدى ضحالة مياه الكرة البرازيلية من الناحية التكتيكية وابتلاع نجمها من قبل الثقوب السوداء المتمثلة في المدارس الكروية الأخرى. ويبقى السؤال المهم: هل سيظل المدرب البرازيلي اسما مطروحا على طاولة رؤساء الأندية السعودية بالرغم من العقم الفني الذي تمتلكه العقلية الكروية البرازيلية حاليا مقارنة بالمدارس الأخرى؟ ولماذا بات توجه الأندية السعودية حاليا نحو مدرسة شرق أوروبا من أجل تسليم إداراتها الفنية لأبناء تلك الدول؟ تساؤلات ستكون أسطر إجاباتها الأولى بكل تأكيد عند وكلاء أعمال هؤلاء المدربين.