تونس الحقول وقرطاج والقيروان والتاريخ وسيف البحر، وأفئدة تهوي للطيبات، إلا أنها، على غير سمو النور والتنوير، أحد مراكز «العمليات» العقائدية للتحالف الإخواني والصفوي، ولو أن قيادة إخوان تونس تبدي تماهيًا تكتيكيًا مع الدولة المدنية، أكثر مما يفعل إخوان المشرق الذين يتحزبون ويروّجون توظيفًا فاضحًا للدين لشراء الدنيا والسلطة ويتحالفون مع الثيوقراطية الصفوية الظلامية. والغريب أن هذا «الكوكتيل» وجد مراتع في تونس ومراعي. وانتهجت مجموعات غوغائية و«خلايا» مؤدلجة في تونس موجة من الكراهية ضد المملكة الأسبوع الماضي وسنين قبله، مع أن المملكة لم تسئ في تاريخها إلى تونس، بل ناصرت ثورة التحرير التونسية وأمدت تونس بمساعدات مستمرة طوال عقود. ولا يوجد تونسي تعمه طيبات المملكة، واستهداف قيادة المملكة مجرد غطاء لاستهداف السعودية وطنًا ومواطنًا وهوية وأحلامًا. وكانت مجموعات الأدلجة ترفع شعار «تونس الثورة» والحرية وشعارات أخرى. ويفخر ضجاجوها بثوريتهم وفي نفس الوقت يكيلون الشتائم للمملكة، بحجة مقتل شخص واحد، وهم منافقون ضلاليون، ولو أنهم صادقون، لكان أجدر أن يوجهوا سهامهم إلى نظام الأسد الذي قتل نصف مليون سوري، بعضهم دفنوا أحياء، وبعضهم أبيدوا بغازات سامة، وشرد 12 مليونًا إلى المنافي، وانخرط في عملية «ترانسفير» لملايين السوريين واستبدالهم بباكستانيين وأفغان وإيرانيين وغرباء آخرين، مثلما تفعل إسرائيل بالتمام. الذي يتجاهله التونسيون الصخابون، الذين جعلوا من ثورتهم رخصة للشتم وتوجيه الكراهيات إلى السعودية والسعوديين، أن المملكة هي البلد الوحيد في العالم الذي ساعد الثورة التونسية الأخيرة على النجاح، وفي نفس الوقت أنقذت السعودية تونس من حمامات دم وحرب أهلية واسعة كانت وشيكة الاندلاع. ولو لم تبادر المملكة إلى الاستعداد الفوري لاستقبال الرئيس بن علي لتحولت تونس إلى سوريا أخرى أو ليبيا أخرى أو يمن آخر، ولكان نصف التونسيين، الآن، لاجئين يتسوّلون في المنافي، ولما وجدوا رفاهية لشتم المملكة. في وقت من أشد الأوقات حرجًا في تاريخ تونس، سمحت المملكة، على عجل، للرئيس زين العابدين بن علي للمجيء إليها في 14 يناير 2011، وبذلك أطفأت فتنة مهولة في تونس كان يمكن أن تتطور في أية لحظة، خاصة بعد سقوط مئات الضحايا. كانت المواجهة حامية ومتأزمة، وصبر المتنفذين في النظام يكاد ينفد. فقبلت المملكة «عاجلًا» لجوء الرئيس بن علي، وسارع المسؤولون التونسيون، حالًا، إلى إعلان مغادرة بن علي لتعلم قوى النظام أن زعيمها قد رحل، وأنه لا فائدة من تشددها، ووضعها أمام الأمر الواقع. وحينما يرحل زعيم تقتنع قواته وأذرعته بأن معركتها قد انتهت وتفكر في النجاة وليس المواجهة و«انج سعد فقد هلك سعيد». وانقلبت قوات الأمن، في لحظات، من مستعدة للفتك بالمحتجين، إلى الترحيب بالجماهير واحتضانها والاحتفال معها. هذه اللحظة الفارقة، في الثورة التونسية، صنعت بمساندة المملكة وبمساهمتها. ولو تأخرت المملكة ساعات، أو رفضت لجوء بن علي، ربما تطورت الأمور إلى مرحلة دموية لا تتوقف لا بهرب الرئيس ولا برحيل النخبة الحاكمة. وبذلك يفترض ألا تتجاهل المجموعات الضجاجة، أن الثورة التي تفاخر بها، ساهمت القيادة السعودية، لا غيرها، في نجاحها. وبهذه المناسبة لا بد من الإشادة بحكمة الرئيس الباجي السبسي، فهو بخبرته، تصرف كرجل دولة مسؤول وواثق، وانحاز إلى مصالح تونس والتونسيين، ولم يأبه لتجار الشعارات الضجاجين، بعكس، النواح الضجاج، المنصف المرزوقي، الذي كان مجرد شخص شغل منصب الرئيس، وهو الآن ألعوبة ناطقة في ماكينة الإخوان المتجنية الهدامة التي ترفع شعارات استهلاكية ومضللة حول الحقوق والعدالة. يا كَعْبُ، إِنَّ أَخاكَ مُنْحمِقٌ فاشْدُدْ إِزارَ أَخِيكَ يا كَعْبُ (الكِناني)