يعد الإبداع محركا أساسيا للاقتصاد في أي دولة في العالم، حيث نرى نتائجه في حياتنا اليومية عندما نركب سيارة جميلة فارهة مجهزة بأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا السيارات، ونراه في تكنولوجيا الاتصالات عندما تتجدد باستمرار وسرعة عالية خصائصها وميزاتها من جوالات عادية إلى جوالات ذكية مزودة بكاميرات ووسائل اتصال بالإنترنت وغيرها. تعود الثورة الصناعية التي شهدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية إلى التقدم التكنولوجي المدعوم بالإبداع والابتكار والبحث والتطوير في مجالات كثيرة زادت في رفاهية الأمم. كان التحول في تكنولوجيا معدات الحرب إلى تكنولوجيا منتجات الرفاهية المتطورة لراحة المستهلك نتيجة لثورة الإبداع والابتكار التي تساندها سعة وقوة الخيال والموهبة والقبول المجتمعي والحرية الفكرية التي يتميز بها المبدع وبيئة الإبداع المحفزة. يبدأ الإبداع والابتكار عندما يجد المبدع البيئة التي تشجعه عليه وتتقبل أفكاره بلا تحفظ من نتائجها، أي أن الرغبة في تحمل تبعات المغامرة عالية. وقد يكون المبدع متخوفا من مقاومة المجتمع لأفكاره الإبداعية لأنه مجتمع تقليدي في نمط حياته التي لا تتناسب مع نمط حياة المبدع، لكن يجب ألا يتوقف المبدع عن إبداعه مهما كانت عليه البيئة المحيطة به من إحباط. تلعب البيئة المحيطة بالمبدع الدور الكبير في تحفيزه أو عدمه. وللوالدين دور أساسي في إبداعه وتحفيزه منذ الصغر، فهما يربيانه ويشجعانه على حرية الرأي الإبداعي من حيث إسداء الرأي والمشورة عندما يبحث عنهما. ويؤكد علماء النفس، وكذلك علماء الاجتماع أن المنزل الذي يشجع على الإبداع يعد نقطة بداية انطلاق المبدع نحو المزيد من الإبداع والابتكار. والحقيقة أننا نجد الكثير من المبدعين على علاقة قوية وقريبة من والديهم الذين تربطهم بهم الكثير من الخصائص والصفات الشخصية مهما كانوا مختلفين معهم في بعض النقاط التي لا تعتبر أساسا في شذوذ قاعدة القواسم المشتركة بينهم. وللأسف نجد الغالبية الساحقة من المبدعين والمخترعين العرب يواجهون بيئة اجتماعية لا تشجعهم على الإبداع والاختراع، فهم يواجهون سخرية وتطفل وفضولية مجتمعاتهم بسبب جهلها بما للإبداع من مردود اقتصادي واجتماعي إيجابي على المبدع ووطنه. الإبداع لا يعرف حدودا في المجتمعات الغربية المتحضرة، بل نجدهم يكرمون المبدعين ويدعمونهم كل في مجاله الإبداعي؛ لأنهم يعلمون مدى الفائدة الاقتصادية منهم عندما يطورون الفكر والعمل والمنتج. القبول الاجتماعي للمبدع في مجتمعه يساعده على الإبداع، حيث ينشط خياله الإبداعي ويزيد إنتاجه إذا لم تهيمن القيم الاجتماعية التقليدية المحبطة والمقيدة والكابحة لإبداعه وخياله. تزداد الفائدة الاقتصادية بتزايد القبول والحرية الاجتماعية للمبدع ما دام إبداعه في إطار أخلاقي لا يتعارض مع القيم الاجتماعية في المجتمعات المحافظة وغيرها. وينمو الاقتصاد بنمو ثقافة الإبداع والابتكار بين أفراد المجتمع. القبول والتطوير المستمر لثقافة الإبداع والابتكار يزيد من سرعة انتشار الاختراعات والمنتجات لأن البحث العلمي والتطوير يقوم على ثقافة الإبداع والابتكار ما يجعل الأسواق مليئة بالمنتجات والخدمات بشتى أنواعها وبأسعار وجودة منافسة، ونجد سرعة الانتشار واضحة في الحاسوب وأجهزة الجوال التي تتعدد من حيث الميزات والخصائص والشركات المصنعة. وفي الختام أرى ضرورة تشجيع المبدعين على الإبداع؛ لأنهم المحرك الرئيس للاقتصاد من خلال إبداعهم الذي يحول الأفكار إلى حقائق اقتصادية نراها في الأسواق، ومن الأهمية أن تشجع مؤسساتنا وشركاتنا المبدعين باحتضانهم وبتبني أفكارهم وتحويلها إلى منتجات تفيد المبدع والشركة والوطن.