إنها لحظات ذات ود، يفوح منها عطر الجنة، ويسطّر معها الخير وجودًا مطلقًا، لتطوف في خلالها الأنفس لافظة ما تراكم فيها من سوء، ومبقية ما كُتب لها من حسن، ملبّية نداء ربها، وحاجّة إلى بيته العتيق، مزدانة بمشاعر الحج وعائدة إلى درب الصلاح من أوسع أبواب الرحمة والمغفرة. هكذا لملمت الأيام المباركات ذاتها ورحلت، مُخلّفة في القلب غُصة ومشاعر جياشة لن تهدأ إلا بعناق جديد لأيام مباركة شبيهة، مضت، وفي كل مضيّ لها ننظر في حالنا وفيما قطعناه عمليًا، كما روحيًا، من أعمال وواجبات، نفتش قليلًا في التفاصيل لنجد أنفسنا أمام موسم للحج رائع؛ أدت فيه بلادنا المباركة "السعودية" بقيادة ملكها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، دورًا ملموسًا في خدمة حجيج بيت الله، عبر تيسير المناسك والمشاعر عليهم، فضلًا عن توفير كامل ما يحتاجونه من خدمات مِرفقية كانت أو صحية أو غير ذلك، هادفة من وراء ذلك دعم انقطاع زوارها لعبادة ربهم ومناجاته، دون أن يُعكر صفوهم أي شيء. ليس غريبًا على المملكة ما تؤديه من أعمال جليلة كل عام لإنجاح موسم الحج وجعله في كل مرة أفضل من سابقيه، حيث تختفي في التفاصيل جهود أبناء السعودية الموقرين في كامل هيئات المرافق المختلفة، والذين بذلوا، وما زالوا، جهودًا مضنية ومخلصة لخدمة حجيج بيت الله. الرضا المرسوم على وجوه الحجيج لا يشهد وحده بنجاح الموسم، وإنما تشهد بالنجاح أيضًا أرقام عملية تحليلية مسجلة عن التنظيم والأعداد والإنجازات، وذلك وفقًا لما أعدّه ونشره مركز الاتصال والإعلام بالتنسيق مع وزارة الخارجية السعودية. حيث يذكر التقرير الذي أعلنه الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين، وأمير منطقة مكةالمكرمة، ورئيس لجنة الحج المركزية أن المملكة العربية السعودية قدّمت خدماتها في موسم الحج هذا العام لما يقرب من 2.371.675 حاجّا وحاجة، ولاستيعاب تأدية خدماتها لهذا العدد المهول من الحجيج، ووفرت السعودية عدد 250 ألف عامل وموظف ومتخصص من القوى العاملة العسكرية والصحية والمدنية، ذلك لأجل العمل على راحة الحجاج، وحفظ الأمن والنظام، ورعاية الصحة العامة لهم. ولا ننسى في هذا الإطار خدمات وسائل النقل السعودية، والتي تمكّن إحداها وهو قطار المشاعر المقدسة والذي يُعد أحد أهم إنجازات المملكة في الفترة الأخيرة، تمكّن من نقل نحو 360 ألف حاج وحاجة بشكل ميسّر، وفي أسرع وقت ودون أدنى تعب، بينما بشكل عام وعلى مدار العام الماضي فقط استطاعت المملكة تيسير نقل نحو 41 مليون حاج ومعتمر إلى المسجد الحرام، وهو إنجاز واضح يُحسب لها. وفي الجانب الصحي استطاعت المملكة بعزم شبابها ومختصيها القيام بواجب جليل في حفظ أرواح إخوانهم المسلمين وإنقاذ عديد من الحالات الحرجة، وذلك ضمن عدد مسعفين وممرضين وأطباء وصل إلى نحو 32 ألفًا، وضمن نطاق 25 مستشفى، فضلًا عن عشرات المراكز الصحية الثابتة والمتنقلة موزعة بين مكة والمدينة والأماكن المجاورة بطاقة استيعاب وصلت لنحو خمسة آلاف سرير. كما لا يمكننا المرور على نجاحات الحج ونغض الطرف عن ذلك المجهود الكبير والمشرّف الذي قدّمته هيئة النظافة ضمن فريق عمل كبير جدًا، ضم نحو 23 ألفًا ما بين مهندس ومخطط وعامل، وغير ذلك من تشكيلات الهيئة. إننا من هنا نشدّ على أيدي جميع مَن ساهموا في هذا النجاح المُبهر، داعين المولى "عز وجل" لهم ولولاة أمورنا أن يجزيهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء.