قال اللواء محمود خليفة، المستشار العسكري للأمين العام لجامعة الدول العربية: إن أيام ميليشيا الحوثي في اليمن أصبحت معدودة، لافتًا إلى قدرة قوات التحالف بقيادة المملكة على القضاء عليها، خصوصًا بعد النجاحات الواسعة التي حققتها على الصعيد الميداني في ميناء ومطار الحديدة. وأكد اللواء محمود في حواره مع «اليوم» أن نظام إيران خسر كثيرًا بعد تورطه في إشعال الأزمة اليمنية عن طريق دعم ميليشيات مسلحة تسعى إلى الانقلاب على الشرعية، مشيدًا بالدور السعودي في التصدي للمخططات الإيرانية الهادفة لتمزيق الوطن العربي، مشيرًا إلى أن جامعة الدول العربية تبذل جهودًا واسعة في إيجاد حلول ناجعة للقضايا الساخنة. اليوم: كيف ترى الدور الإيراني في أزمات الوطن العربي؟ اللواء محمود خليفة: بدون شك فإن إيران منذ أعوام تعبث باستقرارالوطن العربي، واستطاعت خلال الفترة الأخيرة على وجه الخصوص استغلال الحالة «الرخوة» التي أصابت عددًا من الدول العربية، وأظهرت أظافرها بزعم أنها قوة إقليمية كبرى، تستطيع أن يكون لها دور في إعادة رسم الخريطة العربية، وهي محاولات لم تدخل حيز التنفيذ الفعلي إلا في أعوام سابقة في لبنان، حيث باتت لها ذراع مهمّة متمثلة في ميليشيا «حزب الله»، إلا أن هذا الدور الإيراني بدأ يتراجع في الأزمة السورية بضغوط من روسيا، التي رأت ضرورة إقصاء طهران من المشهد السوري في الفترة الراهنة، لما تمثله من خطر داهم على محاور حل الأزمة، وهو ما جعل إيران في حالة إصرار شديد في محاولة النجاح باليمن عن طريق دعم ميليشيا «الحوثي» التي باتت أملها الأخير لكي تحافظ على وجودها في دائرة الصراعات العربية، بغرض تأجيجها؛ ما يضمن عدم الاستقرار بين الشعوب العربية تمهيدًا لتنفيذ مخططاتها في تمزيق أواصر الوحدة العربية. هل التدخل في اليمن حقق أهداف النظام الإيراني؟ لقد خسرت إيران كثيرا بعد تورطها في إشعال أزمة اليمن عن طريق دعم ميليشيات مسلحة تسعى إلى الانقلاب على الشرعية، وتؤكد التقارير الرسمية أن إيران زوّدت الحوثيين بالأسلحة والصواريخ الباليستية التي كانت عناصرها الإرهابية تصوبها نحو الأراضي السعودية. وعلى الصعيد الميداني حقق التحالف العربي بقيادة المملكة نجاحات مهمة في «الحديدة»، التي تُعدّ معركتها نقطة محورية في المواجهات العسكرية، نظرًا لما تملكه المدينة من مطار وميناء على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وكان الأخير على وجه التحديد نافذة مهمة لإيران في توصيل الإمدادات اللوجستية والأسلحة التي تهرّب لميليشيا الحوثي، وتُعدّ التطورات الأخيرة في «الحديدة» بمثابة ضربة قوية لإيران وبداية النهاية لوجودها في اليمن. كيف تقرأ المواقف الدولية في هذه الحرب؟ ما يثير الاستغراب بعد النجاح الذي حققته قوات التحالف هو المواقف الدولية عن طريق هيئات مثل الأممالمتحدة التي سارعت لإصدار تقارير تستند إلى معلومات مغلوطة عن وجود مشاكل إنسانية واستهداف للأطفال اليمنيين، فيما كانت المنظمات نفسها تصم الآذان وتغمض العيون عن المآسي التي يتعرض لها الشعب اليمني منذ اندلاع الأزمة؛ ما يؤكد أن هناك بعض المتآمرين في هذه المنظمات والجهات، يريدون للعرب الخراب بدليل رفضهم حل الأزمة، بل يزيفون الحقائق لإطالة أمدها رغبة في تحقيق منافع ومكاسب تخطط لها قوى كبرى. حدثنا عن التصدي للأطماع الإيرانية في المنطقة.. حملت المملكة على عاتقها المسؤولية الكبرى في التصدي للمخططات الإيرانية، ونجحت بشكل واسع في منع وقوع اليمن تحت سيطرة نظام الملالي، وواجهت استنساخ تجربة «حزب الله» في اليمن عن طريق الحوثي، ووظفت المملكة ثقلها العسكري والاقتصادي والسياسي في العالم كافة، وليس في المنطقة العربية بحسب. أيضًا دعت المملكة إلى تشكيل تحالف عسكري بقيادتها، وبدون شك فإن تجميع هذا العدد الكبير من الدول العربية والإسلامية في هذا التحالف، وخروج قوات من بعض الدول إلى خارج حدودها الجغرافية ليس سهلًا، لكن القيادة السعودية بحكمتها وخبرتها الكبيرة تدرك جيدًا خطورة التهديد الإيراني للمنطقة العربية عامة، وتعرف أن السيطرة على اليمن ستكون منصة لها للتدخل في شؤون منطقة الخليج؛ لذا سارعت بأن توقف هذا التمدد الإيراني في الوطن العربي. هل تصدت الجامعة العربية بالفعل للتدخلات الإيرانية؟ الجامعة العربية أدانت في عدد من المؤتمرات والاجتماعات، محاولة التدخل الايراني في الشأن العربي خصوصًا بمنطقة الخليج، وهو ما ظهر في بيان القمة العربية الأخيرة التي عُقدت بالظهران حيث انتقد بقوة التدخلات الإيرانية، وشدد على التصدي لها. وفي نوفمبر من العام الماضي 2017، ندد البيان الختامي للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية بإطلاق صواريخ إيرانية الصنع من اليمن على المملكة، ووصفه بالعدوان الصارخ والتهديد للأمن القومي العربي، وأكد البيان حق المملكة في الدفاع الشرعي عن أراضيها، أيضًا تضامنت الجامعة مع المغرب في قراره بقطع علاقاته مع إيران؛ لما تمارسه الأخيرة من تدخلات خطيرة ومرفوضة في الشؤون الداخلية للمملكة المغربية، وبالإضافة لذلك، جاء الموقف الأخير الذي أعلنه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، بتأييده مراجعة الاتفاق النووي الإيراني، غداة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب منه، كما تبذل الجامعة وأمينها العام، وكافة لجانها جهودًا كبيرة من أجل التوصل إلى حلول ناجعة، ليس للأزمة الإيرانية فحسب، ولكن لكافة القضايا العربية الراهنة، والتي تحتاج إلى تضافر الجهود. برأيك.. هل الأطماع الإيرانية سياسية فقط؟ أتصور أن هناك أهدافًا أخرى، تتمثل في إشعال الصراعات المذهبية التي تُعدّ صنيعة قوى كبرى، وجدت في إيران ضالتها لمحاولة تنفيذ هذه المخططات بغرض تشويه الإسلام، لأن المسلمين «سنة وشيعة» في جميع الدول العربية يعيشون في سلام وهدوء وبينهم علاقات مصاهرة، حتى أن صديقًا من دولة خليجية يعمل بجامعة الدول العربية قال لي: «في بلدنا عيب أن يسأل أحد عن مذهبه في حال التقدم للزواج»، لكن إيران ترى أن اللعب على وتر الخلافات المذهبية قد يحقق لها مكاسب وتواجدًا قويًا في الوطن العربي، وهو يندرج في النهاية تحت أوهامها في تحقيق محور مذهبي، وهي أحلام لن تتحقق يومًا ما دام العرب يتصدون لها. المحرر يوجّه أسئلته للواء محمود خليفة (اليوم) هل يستطيع العرب القضاء على الإرهاب؟ بدأ مخطط الشرق الأوسط الجديد في عام 2005، وكانت أهم بنوده تقسيم عدد من الدول العربية إلى دويلات، فتم استهداف دول تعاني من أزمات في كافة المجالات الاقتصادية والأمنية، وبدأ هذا السيناريو تظهر ملامحه في 2010، بتحريض مواطني هذه البلدان على العنف الذي يتحوّل فيما بعد إلى فوضى تستغلها الجماعات الإرهابية؛ ليصبح لها دور مؤثر، فأضحت هذه الجماعات أخطر ما تواجهه مجتمعاتنا العربية. ويُعد الإرهاب الصورة الحديثة للاحتلال أو الاستعمار، فهذا غرضه الأساسي هو الاستيلاء على الموارد الطبيعية واستنزاف ثروات البلدان. أيضًا تم تطوير أسلوب الدول المعادية، ليس من خلال القوى المسلحة، ولكن عن طريق صناعة الأزمات وتضخيم خطر الإرهاب، فتسقط بالتالي الدول أمنيًا واقتصاديًا، ثم تطلب هذه الدول من القوى الكبرى أن تحل لها مشاكلها، فتتدخل، وهنا تفرض شروطها التي تمكّنها من تحقيق مطامعها. وصناعة الإرهاب هذه تحقق مكاسب كبرى للدول التي تخطط لانتشاره؛ إذ يتم عقد صفقات أسلحة متطورة في مقابل مبالغ مالية ضخمة، وتصل هذه الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية من خلال الحدود البرية والبحرية. برأيي أنه ليس من مصلحة الغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية انتهاء الأزمات العربية؛ لأن هذه الدول لو أرادت بالفعل التدخل بقوة لسحق الإرهاب، لفعلت، لكنها لا تريد وتسعى إلى إشعال المشكلات. ما سبب صمود دول في مقابل انهيار أخرى؟ انهيار الجيوش العربية كان الهدف الأول لسقوط الوطن العربي، وتُعدّ دول «مصر والسعودية وسوريا والعراق» هي المربع الأقوى في خريطة الوطن العربي، لما تتميز به من مواقع إستراتيجية مهمة، كما أنها تُعدّ قوى اقتصادية وعسكرية كبرى، ونجح المخطط في إسقاط الجيش العراقي ثم السوري، وساعد على ذلك ما كانت تمر به البلدان من ظروف مضطربة، لكنه فشل في المملكة ومصر اللتين تعدان جناحي الأمة العربية، لما تملكانه من قدرات اقتصادية وعسكرية هائلة، ويُعدّ التنسيق بينهما دائمًا بمثابة جرس إنذار لكل مَن تسوّل له نفسه محاولة المساس بذرة رمال من أي أرض عربية. في ظل هذه الأوضاع، هل توجد مؤشرات لحلول بشأن القضايا العربية الملتهبة؟ دفعت أزمة فلسطين ثمن عدد من الأخطاء خلال نصف قرن، وللأسف تفاقمت بعد قرار الإدارة الأمريكية بنقل سفارة واشنطن في تل أبيب إلى القدس؛ ما يعني اعتراف الولاياتالمتحدة بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وهو مخطط أمريكي كان مؤجلًا لحين ظهور رئيس بمواصفات ترامب ينفذ القرار، والمتوقع هو ضغط الولاياتالمتحدة على دول أخرى لتصبح أزمة القدس أمرًا واقعًا. أما ليبيا فهي دولة نفطية مترامية الأطراف ومواردها الطبيعية متعددة ومتنوعة، وحل مشكلتها مرهون بإبعاد أي تدخل أجنبي مع الاستمرار في لعب دول الجوار دورًا مؤثرًا في التوصل لصيغة تفاهم بين الأطراف المتنازعة مع استمرار دعم الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر، بجانب الاستناد على اتفاق الصخيرات، والتقارب بين الفرقاء ونسيان الخلافات لاستعادة تماسك الشعب الليبي، ومن دون شك فإن تماسك سوريا يعتبر خطوة مهمة لاستعادة الاستقرار؛ لأنها دولة مهمة بالمنطقة العربية.