«كانت هناك قرية صغيرة تملك بقرة تعيش على حليبها، وفي يوم من الأيام كانت البقرة تشرب من زير الماء، فأدخلت رأسها ولم تستطع إخراجه، حاول أهل القرية أن يخرجوا رأس بقرتهم من الزير بكل وسيلة تحفظ حياة البقرة وتقي زير الماء من الكسر، فلم يستطيعوا! هنا لجأوا إلى عمدتهم ليحل المشكلة، فهو الأحكم والأدرى ولا شك! جاء العمدة ونظر إلى البقرة، ثم نظر إلى الزير، واتخذ القرار الحكيم: اقطعوا رأس البقرة! نفذ أهل القرية الأوامر، وقطعوا رأس البقرة، ولكنهم قالوا للعمدة: يا عمدة! ما زال رأس البقرة في الزير، ماذا نفعل؟! قال: اكسروا الزير! قام أهل القرية بكسر الزير بعد قطع رأس البقرة، وبالتالي أصبحت النتيجة: لا بقرة ولا زير، أما عمدة القرية فجلس وحده حزيناً، ذهب إليه أهل القرية يواسونه: لا تحزن يا عمدة! فداك البقرة، وفداك الزير! نظر إليهم بحزن ثم قال: لست حزيناً لا على البقرة ولا على الزير، ولكني حزين ماذا ستفعلون لو لم أكن معكم؟!» أعتقد أن هذه الحكمة البقرية لم تنته بقطع رأس بقرة القرية وزيرها، بل ما زالت باقية وللأسف في مؤسسات كثيرة! فهناك من المديرين ما زال يتخذ القرارات المبنية فقط على انطباعاته الشخصية، أو انطباعات من حوله، فيدمر مؤسسته بيئةً ونتائج وطموحات، ثم يتساءل بكل فخر في اجتماعاته: ماذا ستفعلون لو لم أكن معكم؟! وهناك أيضاً من يرى نفسه مفكراً فيلسوفاً حكيماً، فيُشغل المجتمع كل يوم بآرائه الشاذة، تتبعها معارك تافهة تشغل المجتمع عن أهدافه التي يجب أن يسعى إليها، ثم يجلس أمام الشيء الوحيد الذي يربطه بالثقافة والفكر فنجان القهوة السوداء، وهو يقول: ماذا ستفعلون لو لم أكن معكم؟! وهناك من الآباء من يضيع بيته وأولاده بقرارات ارتجالية، تدمر مستقبلهم وتحطم ثقتهم بأنفسهم، ثم يكرر في الصباح والمساء على مسامعهم، ومسامع أمهم: ماذا ستفعلون لو لم أكن معكم؟! أنت فقط توكل على الله، ونحن سنخبرك عن الخير الذي سيأتينا من بعدك!