ليست جمع كلمة رجل، إنها من المحكية السعودية، ولها نطق له نغمة مختلفة عن لفظة الرجال، حيث تنطق بفتح الراء وتشديد الجيم، وهي تعني رجلاً واحداً، وغالباً ما تستخدم للإشارة إلى شخص أو حتى «شخصه» معلوم بين اثنين يتحدثان وحولهما من لا يريدان إفشاء الأسماء والأسرار عنده، فيقول لصاحبه «الرجال مسافر» كناية عن «فركة المدير»، أو «الرجال غير جواله» كناية عن انتهاء مغامرة نسائية عابرة مثلاً. يحكى أن اثنين من فقراء قرية جبلية جمعا مدخراتهما بصعوبة، واشتركا في شراء بقرة حلوب يستفيدان من حليبها ومشتقاته، ولضيق الحال، وحتى لا يقع في النفوس شيء، اتفقا على ألا يتم الحلب اليومي لها إلا بحضور الطرفين، الشركاء فيها، بحيث يتم بعد كل «حلبة» اقتسام الحليب مناصفة، وكل يذهب إلى حال سبيله، ووضعا لها مكاناً خاصاً في منطقة محايدة، واتفقا على موعد الحلب اليومي. وفي أحد الأيام حضر شريك وغاب الآخر، انتظره طويلاً فلم يحضر، خشي أن مكروهاً أصابه، حدثته نفسه بحلب البقرة، واحتار هل يأخذ كل الحليب، أم يترك نصفه في الموقع لشريكه، أو يحمل نصيب شريكه ويوصله إليه، أو إلى أهل بيته إن كان غائباً؟ وهل سيصدّق الشريك أن نصيبه غير منقوص؟ تكاثرت عليه الأفكار والهواجس، ماذا لو مات شريكي؟ كيف سيتم التفاهم مع الورثة؟ هل سيستمرون في اقتسام الحليب، أم سيطلبون بيع نصيبهم فيها؟ وإذا فعلوا كيف سأتدبر قيمة حصتهم وأنا صفر اليدين، وإذا أصروا وتم بيعها على طرف ثالث، هل سيبخسها المشتري ثمنها؟ وإذا لم يفعل وأخذت نصيبي، ماذا افعل به؟ لن يكفي لشراء بقرة، والماعز لا تدر حليباً كافياً؟ وسينقطع مصدر غذاء يومي، ربما ابحث عن شريك آخر، أو اقنع احد أبناء شريكي بمشاركتي. بينما هو غارق في هواجسه أحس بالجوع يقرص معدته، وقرر أن «يقطع عرق ويسيح دم» ويذهب إلى بيت شريكه لاستطلاع الأمر، وربما لحسمه، قبل اتخاذ أي قرار بالحلب والشرب وإطفاء جوعه وعياله. اقترب من المنزل، لم يلاحظ شيئاً غريباً، كانت الفوانيس مضاءة، وجد الباب مشرعاً، دخل مسرعاً إلى باحة المنزل، وجد المكان مكتظاً بالمدعوين، وشريكه يجلس بينهم يرحب بهم ويقوم بواجب ضيافتهم، فأدرك أن شريكه «مضيوف»، وان هذا سبب عدم حضوره اجتماع مجلس إدارة «الحلب»، ألقى التحية على الجميع، ولم ينس قضيته الأساسية، حلب البقرة، ولن يستطيع ذكر الموضوع أمام الجمع الغفير، أخيراً صاح في صاحبه باسمه «يا فلان... ما ودك نحلب الرجال». [email protected]