محسن حسن القاهرة هي إحدى المحكمات الدوليات في مجال القانون وحقوق الإنسان، ولها باع طويل في العمل الحزبي والأعمال المدنية، تترأس الآن الحزب الاجتماعي الحر الذي يخطو أولى خطواته نحو الظهور السياسي في الساحة المصرية، وقد ارتبط اسمها حقاً وباطلاً بالحزب الوطني البائد أيام الرئيس المصري المخلوع، رغم أنها كانت صاحبة صدام دائم مع القائمين عليه، وهو ما جعلها الآن تعيد النظر في مسارات انتماءاتها الحزبية والسياسية المقبلة بعد الثورة، لكنها في كل الأحوال لا تتنازل عن صراحتها وجرأتها في تقييم القرارات والشخصيات انطلاقاً مما تؤمن به وتقتنع. إنها الدكتورة «عصمت الميرغني» رئيس اتحاد المحامين الأفروآسيوي لحقوق الإنسان، التي التقت بها «اليوم» بالقاهرة وأجرت معها هذا الحوار : * كيف تنظرين للمشهد السياسي المصري حالياً ؟ متفائلة جداً، خاصة عندما أقارن الثورة المصرية بغيرها من ثورات المنطقة من حيث التداعيات والنتائج ووتيرة استعادة التوازن والاستقرارعلى أرض الواقع. * وما رأيك في تحركات الرئيس المصري الجديد ؟ تحركاته محاولات، لا تعدو حتى الآن أن تكون نوعاً من البروتوكولات بين الدول مثل سفره للصين ومن بعدها إيران، وأنا أرى أن مثل هذه الزيارات من شأنها استعداء بعض القوى والتكتلات ضدنا، وقد أصدرت بياناً، طالبت فيه الدكتور مرسي ببعض الشفافية فيما يخص دوافع هذه الزيارات، وكذلك فيما تم اتخاذه من قرارات تكريم المشير وعنان أولاً ثم إحالتهما للتقاعد ثانياً وبشكل مفاجيء. حُسب عليّ خطأ أنني أنتمي لهذا النظام، وقد عانيت بشدة عندما قمت بالانضمام للحزب الوطني من باب تنمية قدراتي الخدمية والمدنية، لكنني فوجئت بإقصاء لا مثيل له، حيث تم رفض نزولي على أي من قوائم الحزب في الانتخابات، فاضطررت للاستقالة من الحزب وللنزول كمستقلة في 2004 ، 2005 ، وتوالى الإقصاء فتم رفض مشروع حزب تقدمت به في 2007، لأن بنود تأسيسه تضمنت المطالبة بمحاكمة رئيس الجمهورية حال ارتكابه أخطاء.* وماذا بخصوص المجلس الرئاسي ؟ به نفس عوار الجمعية التأسيسية، ويسيطر عليه الفصيل الإخواني ومرجعيته واحدة هي مرجعية الإخوان، حتى المسيحي الذي تم اختياره هو أيضاً من المنتمين لحزب الحرية والعدالة، ولا أفهم سر اختيار امرأتين في هذا المجلس فقط، وكأنه لا توجد نساء في مصر خرجن للثورة ودافعن عن حرياتهن. * سيناريو الإطاحة بالمشير لم يعجبك ؟ وجود المشير وعنان كان يثير الطمأنينة في نفوس كثيرين، وسيناريو الإطاحة بهما أثار لغطاً كبيراً لجرأته، واليوم نحن أمام شخصية السيسي وكل معلوماتنا عنها أنها قدمت ماجستير بمرجعية إسلامية في أمريكا، وعموماً أرجح أن يكون هناك طرف ثالث في الموضوع هو أمريكا. * على أى اعتبار يأتي ورود أمريكا كطرف ثالث هنا ؟ على اعتبار اتفاق أمريكا والإخوان، ووجود نفس السيناريو كان قبل انتخابات الإعادة، وسفر أعضاء من الحرية والعدالة إلى أمريكا. كما أن أول زيارة للسيدة كلينتون كانت للمرشد .. كل هذا له مؤشرات. * أنت لم تصوتي لمرسي في الانتخابات أليس كذلك ؟ صوت لعمرو موسى لأني أعرف أنه رجل دولة، وأكبر دليل على أنه رجل دولة هو موقفه الإيجابي المشرّف من نتائج الانتخابات، وإذا كان الصندوق قد خانني وأتى بالدكتور مرسي فأنا أحترم الصندوق لأننا بلد ديمقراطي يخطو أولى خطواته نحو الديمقراطية، ويحبو نحو إرساء مباديء المساواة والحرية. * أى نظام يصلح لمصر من وجهة نظرك البرلماني أم الرئاسي ؟ إذا كان النظام الرئاسي يعزز صلاحيات الرئيس وسلطاته ويصنع منه ديكتاتوراً ، فإن النظام البرلماني هو الذي يقلّص هذه الصلاحيات والسلطات ويقضي على استبداد الفرد الحاكم، لذا فنحن في أمس الحاجة إليه حالياً، وهو الأصلح لمصر من وجهة نظري. * وماذا عما يطلقون عليه النظام البرلماسي وهو الخليط بين النظامين ؟ لا يوجد شيء اسمه نظام برلماسي، ومن قال: إن مثل هذا موجود في دولة مثل فرنسا فهو يحتاج لتصحيح معلوماته، لأن النظام في فرنسا نظام خاص ومختلف عن كل هذا . * في رأيك هل تطورت حقوق الإنسان في مصر بعد الثورة ؟ لا يوجد حقوق إنسان في مصر ، والمواطن المصري يموت يومياً من التسمم في مياه الشرب وغيرها، ولا يجب أن نتوقع تحسن أوضاع حقوق الإنسان بين يوم وليلة، صحيح نحن قطعنا رأس الثعبان، لكن لا يزال ذيله يلعب هنا وهناك، هذا إذا لم تكن الرأس لا تزال تلعب هي الأخرى رغم قطعها، وطالما لم نؤكد كرامة الإنسان المصري من خلال مأكل ومشرب وملبس ومسكن يليق به، فلا يصح لنا أن نتحدث عن حقوق إنسان. * هل يمكن أن تتكرر مقاعد الكوتة النسائية في عهد الرئيس مرسي ؟ حقيقة مقاعد الكوتة هي «كوسة» وليست كوتة، وهي ضد الندية التي ننادي بها نحن سيدات مصر ، بل هي أقرب للعنصرية والطبقية منها للعدل والمساواة حتى فيما يخص الرجال. * أين تقف المرأة المصرية من الواقع السياسي والاجتماعي في مصر حالياً ؟ ليس هناك تواجد يذكر للمرأة المصرية، لأنها في الحقيقة ليست مؤمنة بهذا التواجد، وهي تراجعت وتقوقعت كثيراً عما كانت عليه في ثورة 25 يناير ، فالعيب في الأساس منسوب لها وإليها، ولعل المرأة العربية نموذج مطابق للمرأة المصرية هي الأخرى. * كيف تكيفين الوضع القبطي في مصر في ظل بعض الأحداث هنا وهناك ؟ لكي تحل إشكالية الوضع القبطي فلابد أن نأتي بالقمص «فرجيوس» ونحيي في نفوس المسيحيين المصريين ما كان يؤمن به هذا القمص عندما وقف خلال ثورة 1919 في صحن الجامع الأزهر وخطب في المصريين معلناً أن الثورة لهم جميعاً، وأنه لا فرق بين دماء مسلم ومسيحي، وهو ما تكرر في أكتوبر 73 ، بهذه الروح فقط تحل إشكاليات كهذه. * ما القرارات التي يتوجب على الرئيس مرسي اتخاذها وتقضي على دعاة الفتنة الطائفية في مصر ؟ أن يسوي بين الجميع في الوظائف العامة، السيادية منها وغير السيادية، ويجعل معيار الكفاءة هو الفيصل في شغل المناصب بعيداً عن التمييز بين المسلم والمسيحي. * وماذا عن قانون دور العبادة الموحد ؟ هو قانون خيالي في الحقيقة ويصعب تطبيقه، لأنه سيؤدي في النهاية إلى أن يكون في كل منطقة مسجد وكنيسة وبعدها تتوالى المشكلات بلا حدود. * ما الجهة المثلى لتولي دفة الحوار الإسلامي في مصر ؟ الأزهر هو الجهة الدينية الوحيدة التي يمكن للمصريين قبولها في إجراء الحوار الديني الإسلامي بين المصريين، لذا يجب تعزيز سلطات هذه المؤسسة الدينية العريقة في مصر ، لأن تراجع دورها يؤدي إلى غياب الصوت الإسلامي المعتدل. * ما تقييمك لحركة الليبراليين في مصر ؟ الليبرالية نغمة جديدة على مصر والمصريين، وعلى مدار عهود طويلة لم تكن الأمور بأيدينا، بل كنا مرتبطين بقرارات حكامنا، والآن نحن نعيش عصر «مكلمة» فضائية وليست ليبرالية، فأنت ترى أحدهم يتكلم في فضائية ما، ثم هو هو بعد قليل يتحدث في فضائية أخرى بكلام آخر، وهكذا. * على ذكر الفضائيات .. ما تقييمك لقرارات غلق بعض المحطات مثل قناة الفراعين مثلاً ؟ دعنا نتفق على أن هناك ما يسمى «استعمال الحق « الحق في النقد وإبداء الرأى وتقييم القرارات والأمور إلى غير ذلك، لكن هذا الحق مشروط بعدم الإضرار والإساءة للآخرين، وهنا خط أحمر ليس أمنياً، لكن أخلاقياً واجتماعياً. أما مسألة غلق القنوات فأنا ضدها لأنه توجد وسائل أخرى يمكن اتباعها لوقف الإساءة وتوجيه اللوم. * لكن متى إذًا يمكن لرئيس الدولة أن يتخذ قراراً استثنائياً فوق القانون ؟ في حالة حدوث استفتاء على هذا القرار ، وموافقة الشعب عليه ؛ ففي حالة عدم وجود مصدر مباشر لسلطات ما كالبرلمان مثلاً يحل الشعب كمصدر مباشر لتلك السلطات. * في رأيك هل تلوث القضاء المصري بألاعيب السياسة ؟ نعم في عهد النظام المخلوع تلوث القضاء بألاعيب السياسة، وربما يكون لذلك رواسب نجنيها الآن، وهذا لا يمنع أن هناك رجال قضاء شرفاء يعانون حتى شظف العيش ، وأنا أعلم هذا عن قرب، لأن زوجي كان رئيس محكمة جنايات وأمن دولة سابقاً وكان يحيا حياة صعبة، لأنه كان قاضياً نظيفاً رحمه الله. * متى شعرت منذ قيام الثورة حتى الآن بأن القضاء المصري في خطر ؟ عندما ظهرت حالة تناقض شديدة بين رئيس نادي القضاة وباقي القضاة المنشقين عليه، بل عندما ظهرت حالة تناقض بين القضاة أنفسهم تجاه العديد من القرارات والأمور على الساحة المصرية، ساعتها شعرت بأن القضاة يساهمون بأنفسهم في زعزعة هذه المؤسسة العريقة بمصر . * كيف كانت علاقتك بنظام مبارك ؟ حُسب علىّ خطأ أنني أنتمي لهذا النظام، وقد عانيت بشدة عندما قمت بالانضمام للحزب الوطني من باب تنمية قدراتي الخدمية والمدنية، لكنني فوجئت بإقصاء لا مثيل له، حيث تم رفض نزولي على أي من قوائم الحزب في الانتخابات، فاضطررت للاستقالة من الحزب وللنزول كمستقلة في 2004 ، 2005، وتوالى الإقصاء فتم رفض مشروع حزب تقدمت به في 2007 ، لأن بنود تأسيسه تضمنت المطالبة بمحاكمة رئيس الجمهورية حال ارتكابه أخطاء، إلى غير ذلك من أمور لم تلق الترحيب، وهكذا كانت العلاقة. * وماذا عن علاقتك بسوزان مبارك ؟ قيل: إنه لا يروق لها السيدات الناجحات، وقد لمست ذلك في بعض معوقات تعرضت لها، كان آخرها عندما تم التقاط صورة لي مع بعض الأطفال على نفس الكرسي الذي تم التقاط صورة لها مع الأطفال في إعلانات القراءة للجميع؛ حيث تم إجباري على رفع هذه الصورة من كل إعلانات جمعية «بنت مصر» للأيتام التي أديرها، فلم تكن الأموال تسرق فقط إنما كانوا يجيدون سرقة الأفكار أيضاً لعدم قدرتهم على ابتكار فكرة تخصهم. * كيف نظرت لتدخلات مجلس الشورى في اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية ؟ نحن نعيش مرحلة تسيُّد فصيل واحد على كل الشعب المصري، وما يحدث في الصحف القومية هو نتيجة طبيعية لهذا، ونحن بالتأكيد نعيش فلاش باك سيناريو الحزب الوطني، وللأسف نحن الذين أعطينا الفرصة كي يتربع الإخوان على حكم مصر ، وعلينا أن نعي الدرس جيداً. * من يحكم مصر .. المرشد أم الرئيس ؟ الاثنان معاً، ويقولون : إن مقر الرئاسة المصرية موجود في المقطم، لكني لا أستطيع أن أجزم بذلك. * في الختام ما رأيك في العلاقات الثنائية بين مصر والمملكة ؟ هذه العلاقات الثنائية بيننا وبين المملكة علاقات لا يمكن المساس بها تحت أى ظرف من الظروف، لأن أى مساس بهذه العلاقة يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة جداً على المنطقة ككل.