جاء نظام المرافعات الشرعيَّة الصادر بالمرسوم الملكيِّ رقم (م/1) وتاريخ 22/1/1435ه.، بالنصِّ على إنشاء قضاء للدعاوى المستعجلة بجانب القضاء العادي، حيث رأى المنظِّم أن هناك أنواعا من الدعاوى تتطلَّب الفصل فيها على وجه السرعة؛ تفاديًا لضياع الحقوق والتسبب في الإضرار بمصالح الآخرين، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود قضاء مستعجل تتصف إجراءاته بالسرعة لاتخاذ إجراءات احترازية؛ بغية حماية حقوق الأفراد المهدَّدة بمخاطر جسام، وهو ما يعني عدم اتباع الإجراءات المتبعة عند اللجوء إلى القضاء العادي. ويُعرَّف القضاء المستعجل بأنَّه: «القضاء الذي يقوم بالفصل بصورة مؤقتة في المنازعات التي يُخشى عليها من فوات الوقت، دون المساس بأصل الحقِّ». ويُفهم من ذلك أن القضاء المستعجل يتم اللجوء إليه كإجراء وقائي مؤقت على سبيل الاحتياط والاحتراز؛ بغرض الحفاظ على الأوضاع القائمة في محل النزاع، وذلك حمايةً ورعايةً لحقوق أحد طرفي النزاع. والحكم الذي يصدر في المسائل المستعجلة هو مجرد حكم وقتي بصفة مستعجلة غير حاسم للنزاع القائم، ولا يحوز حجيَّة الأمر المقضيّ. ولقد نصَّت المادة (205) من نظام المرافعات الشرعيَّة على القضاء المستعجل، إذ نصَّت هذه المادة على أنَّه: «تحكم المحكمة المختصَّة بنظر الموضوع بصفة مؤقتة في المسائل المستعجلة التي يُخشى عليها فوات الوقت والمتعلقة بالمنازعة نفسها، ولا يؤثِّر هذا الحكم على موضوع الدعوى، سواء رفع طلب الحكم بالإجراء المؤقت مباشرة أو تبعًا للدعوى الأصليَّة». ويجب هنا التفريق بين إجراءات رفع الدعوى المستعجلة قبل إقامة الدعوى الأصليَّة أو معها، ففي الحالة الأولى (قبل إقامة الدعوى الأصلية) يجب أن ترفع بصحيفة مستقلَّة وفقًا للإجراءات المتَّبعة عند رفع الدعوى. أما لو رُفعت الدعوى المستعجلة مع الدعوى الأصليَّة ففي هذه الحالة يجوز رفعهما بصحيفة واحدة، كما يجوز تقديمها كطلب عارض أثناء نظر الدعوى الأصليَّة، أو تقديمها شفاهة أو كتابة في الجلسة بحضور الخصم، وفي هذه الأحوال يتمُّ ضبط الدعوى المستعجلة مع الدعوى الأصلية، ولكن يُستثنى مما سبق نوع واحد من الدعاوى المستعجلة وهو دعوى منع التعرُّض للحيازة ودعوى استردادها. وهناك شروطٌ موضوعيَّةٌ يلزم توافرها لقبول دعوى الاستعجال، أوَّلها: الاستعجالُ، ويتحقَّق ذلك في الأحوال التي يترتَّب على التأخير فيها مخاطر وأضرار قد تقع في أيِّ لحظة كنتيجة مباشرة لأسبابٍ قائمةٍ بالفعل، ويتعذَّر جبرها أو تداركها، أي الوقاية من ضرر محتمل لم يتحقق بعد؛ وإلا زالت علَّة الحماية الوقتيَّة المستعجلة، وعلى المحكمة من تلقاء نفسها التحقُّق والتثبُّت من وجود الاستعجال. والثاني: عدم المساس بأصل الحقِّ، فليس للقاضي أن يقضي في أصل الحقوق والالتزامات؛ ولا أن يقوم بتعديل مراكز الخصوم النظاميَّة، لأنَّ هذا الأمر يخرج عن اختصاصه، ويقعُ ضمنَ اختصاص قاضي الموضوع. وسوف نكمل الحديث في المقال القادم - إن شاء الله تعالى - حول بعض الجوانب النظاميَّة الأخرى الخاصة بالقضاء المستعجل.