ثمة تداخل واسع بين القضايا العربية والاسلامية مما يستوجب ضرورة وجود قدر كبير من التناغم بين المنظمتين المسؤولتين عن هذه القضايا وهما: الجامعة العربية والتعاون الاسلامي، وهو ما من شأنه أن يحشد الجهود والرؤى لأكثر من 52 دولة عربية وإسلامية خاصة على الصعيد الدولي للدفاع عن هذه القضايا وبلورة الحلول التي تفضي الى إنهائها أو على الأقل تقليص تداعياتها السلبية وقد جسّد اللقاء بين الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي والدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية بالقاهرة مؤخرًا بعضًا من هذا التناغم الذي يعكس سمة مميّزة للعلاقات التي تربط بينهما وعلى هامش هذا اللقاء حاورت «اليوم» الدكتور إحسان أوغلي حول جوانب هذا التنسيق، واقتربت من رؤيته لأهم التفاعلات التي يشهدها العالم الاسلامي، وفيما يلي نص الحوار.. *التقيت خلال زيارتك للقاهرة مع الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية.. فما أبرز الملفات التي تمّ بحثها خلال اللقاء؟ أودُّ أن ألفت في هذا السياق الى أن هناك تنسيقًا كاملًا بين منظمة التعاون الاسلامي والجامعة العربية بشأن القضايا العربية والاسلامية، وقد تناول لقائي مع الدكتور نبيل العربي مختلف هذه القضايا وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، وبالذات ما يتعلق بالأسرى في ضوء التحرّك الدولي الواسع الذي تقوم به المنظمتان، كما تناولنا تطوّرات الأوضاع في السودان بين شماله وجنوبه، خاصة أن وفدًا مشتركًا يمثل المنظمتين سيقوم بزيارة إليهما قريبًا، وبالطبع كانت الازمة السورية حاضرة بقوة في محادثاتي مع الدكتور نبيل العربي، وقد عبرنا عن انزعاجنا الشديد لما آلت إليه الأوضاع فيها، وثمة تنسيق كامل مع الجامعة العربية، حيث شاركت المنظمة في البعثة السابقة التي ارسلتها الاممالمتحدة لتقييم الوضع الانساني في سوريا، وظلت هناك لمدة اسبوعين، ونشرت تقريرًا مفصّلًا حول الوضع، والآن نتعاون مع الجامعة لإرسال المعونات الى داخل سوريا والى الحدود المشتركة بين سوريا وكل من تركيا والاردن. لب الأزمة السورية *بهذه المناسبة كيف تنظرون الى التطورات الأخيرة على صعيد الازمة السورية؟ لا شك في أن المشكلة الأكبر في هذه الأزمة تكمن فى غياب توافق دولي حول ما يجب عمله فى سوريا، بينما هناك توافق حول ما لا يجب عمله، هذا هو لب المشكلة في سوريا»، ومن جهتنا فإننا نقدّم الدعم الكامل لخطة كوفي عنان المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية لاسيما أن عددًا من الدول الاعضاء في المنظمة الاسلامية من قارتي آسيا وافريقيا تشارك في بعثة المراقبين الدوليين بسوريا بعناصر كفؤة وموقفنا ما زال يدعو الى ضرورة وقف العنف في سوريا باعتباره البند الأول في خطة عنان ذات الست النقاط، والتي يتطلب تنفيذها جميعًا، وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا اذا تمّ وقف العنف وإطلاق النار، الأمر الذي تركّز عليه كل الأطراف في الوقت الراهن. *البعض يرى أن المنظمة لا تعمل على النحو المطلوب لإنقاذ القدس وهو ما جاء على لسان قاضي قضاة فلسطين ومفتي القدس الاسبق تيسير التميمي في أحد أحاديثه الصحفية مؤخرًا»، والذي يرى كذلك أن تعديل اسم المنظمة من المؤتمر الاسلامي التي كانت تحمل دلالات ايجابية عن القدس إلى التعاون قلل من فعاليتها باتجاه المقدسات الاسلامية في القدس، ما تعليقكم على ذلك؟ القضية الفلسطينية، وبالتحديد مسألة القدس ليست مجرد عنوان بالنسبة لنا، فهي جزء لا يتجزأ من نسيج المنظمة، ولا يمكن أن تجزَّأ أو تُجتث بمجرد تغيير اسم، فهي على رأس أولويات المنظمة، منذ إنشائها عقب الحريق الآثم الذي تعرّض له المسجد الأقصى المبارك، وحتى اللحظة. وأنا شخصيًا لم اقتصد جهدًا في حشد دعم المنظمة لصالح القدس، وفلسطين بشكل عام، لأني أحرص على تقديم أقصى أنواع الدعم في كل فرصة يمكننا فيها مدّ يد العون لأهلنا في فلسطين، لهذا تواجدت بشكلٍ شخصي في اجتماعات اليونسكو في أكتوبر الماضي، لحشد أصوات المجموعة الإسلامية لصالح انضمام دولة فلسطين للمنظمة، مما سيُعزز موقع الدفاع عن مدينة القدس في وجه الأطماع التي تستهدف هويتها الأصيلة. كما كانت المنظمة على اتصال وثيق مع دولة فلسطين لحث مختلف دول العالم على دعم حق فلسطين في نيل عضوية الأممالمتحدة. وأوفدت عددًا من سفراء عدد من الدول الأعضاء برئاسة سفير كازاخستان إلى الفاتيكان للاجتماع بوزير خارجية الكرسي البابوي ونقل رسالة مني بشأن اتفاق مع إسرائيل يخوّلها الإشراف على المقدّسات الكاثوليكية في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس. ودعوت الفاتيكان في رسالتي إلى عدم القيام ببحث أو توقيع أي اتفاق مع إسرائيل بهذا الخصوص، وأكدت أن الأملاك والحقوق الكنسية الواقعة في الأراضي الفلسطينية يتمّ التفاوض بشأنها فقط مع دولة فلسطين باعتبارها هي وحدها صاحبة السيادة والولاية الحصرية على جميع الأراضي الفلسطينية. وتلقى وفدنا تطمينات بأن الفاتيكان سيراعي القانون الدولي والاتفاق الأساسي المبرم مع دولة فلسطين. دعم ضئيل للغاية أما على صعيد دعم مدينة القدس، فإن البنك الإسلامي للتنمية يقوم بتمويل عدد من المشاريع في القطاعات الحيوية التي تحتاجها المدينة المقدّسة للوقوف في وجه محاولات التهويد التي تتعرّض لها. كما يقوم كل من صندوق التضامن الإسلامي وبيت مال القدس الشريف برعاية وتمويل مشاريع تنموية في شتى القطاعات في المدينة المقدّسة. وتتولى المنظمة أيضًا وبالاتفاق والتنسيق الوثيق مع دولة فلسطين تسويق الخطة القطاعية الخاصة بدعم مدينة القدس في شتى القطاعات الحيوية. ومع ذلك أعتبر أن ما يتم تقديمه للقدس ضئيل جدًا مقارنة بالاحتياجات الفعلية للمدينة. وإن أكثر ما تحتاجه القدس هذه الأيام هو تكاتف الجهود لدعم أهلها ومؤسساتها لتمكينها من التصدّي لمحاولات تهويدها وتغيير هويتها الأصيلة. هيكلية المنظمة *ناقشتم مؤخرًا موضوع تغيير هيكلية المنظمة، فما المرتكزات التي ستقوم عليها هذه العملية الضرورية حتى تواكب التحوّلات التي تحدث على الصعيدَين الإقليمي والدولي؟ أبرز المرتكزات قد جرى إطلاقه بالفعل، من خلال برنامج العمل العشري الذي جرى إقراره في قمة مكة الاستثنائية عام 2005، وهو بمثابة خارطة طريق لعمل المنظمة، وميثاق المنظمة الجديد، اللذين يضعان الأسس اللازمة لعملية إصلاح داخلية وهيكلية واسعة للمنظمة بدأت بالفعل، والعمل مستمر لإنجازها، وكان اجتماع الخبراء لبحث قواعد الإجراءات في أواخر إبريل الماضي حلقة في سلسلة الإصلاحات الداخلية، واللافت أن هذا الاجتماع شهد اقتراحات مهمة من قبل الدول الأعضاء وبالتحديد الاقتراح المصري الذي تمّ تضمينه في مسودة القرارات التي سترفع إلى اجتماع وزراء الخارجية بجيبوتي. *البعض يرى أن المنظمة عجزت عن ملامسة المواطن بالدول الاعضاء.. هل لديكم تصوّر لمقاربة احتياجاته حتى يشعر بقيمة وجدوى المنظمة أم أنها ستظل منظمة حكومات؟ أعتقد أن الإصلاحات التي أدخلناها في المنظمة خلال السنوات الأخيرة وبخاصة إنشاء إدارة الشؤون الإنسانية، تعكس نموذجًا حيويًا للتواصل المباشر مع الفئات الأكثر تضررًا في العالم الإسلامي. وهو نموذج لقي نجاحًا دوليًا باهرًا، حفز جهات لها أكبر الأدوار في مجال العمل الإنساني العالمي، مثل الأممالمتحدة والولايات المتحدةالأمريكية، على العمل معنا في القطاعات الإنسانية في العالم الإسلامي.. والبرامج التنموية والمشاريع الإنسانية التي أطلقتها المنظمة في هذا السياق تؤكد شعورها بالحاجة الماسة التي تعيشها الشريحة الأكثر عوزًا وحاجة، والتي تحتاج إلى المساعدة، وهو أمر أعتقد أنكم لمستموه جيدًا في القاهرة حين عقد اجتماع المنظمة لمساعد القطاع الصحي في غزة في إبريل الماضي، ولصالح الصومال، حين عقد اجتماع برنامج حفر آبار المياه في أكتوبر الماضي، والذي بدأ بالفعل، والآن اجتماعنا المشترك مع الجامعة العربية لصالح اليمن، بالإضافة إلى برامجنا الإنسانية في باكستان وإندونيسيا وأفغانستان وغيرها. أما على صعيد المشاريع الأخرى، فأعتقد أن كل ما تقوم به المنظمة، يصبُّ في الارتقاء بالشعوب والنهوض بها، بدءًا من زيادة معدّلات التجارة البينية التي وصلت إلى أكثر من 539 مليار دولار لعام 2010، بعد أن كانت 205 مليارات دولار فقط في عام 2004، وثقافيًا، حيث ننبري للدفاع عن المجتمعات المسلمة في أوروبا، من خلال مواقفنا السياسية التي يتم أخذها على محمل الجدية من قبل الحكومات الأوروبية والغربية، أو عبر نشاطنا المتزايد في مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف، حين أصدرنا قرارًا دوليًا 16/18، يهدف إلى حماية أتباع الديانات المختلفة من حملات الكراهية، وأقصد هنا بالتحديد، حملة الإسلاموفوبيا التي تستهدف المسلمين في أوروبا.. وجهودنا المتواصلة لحماية مصالح وحقوق الأقليات المسلمة في آسيا أوروبا وأمريكا اللاتينية. أما أكثر الأمثلة تجليًا، فأعتقد أنه موقفنا الثابت إزاء الثورات التي حصلت وتحصل في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن، وسوريا، حين دعمنا بشكل واضح وجلي حقوق وتطلعات الشعوب في نيلها للديمقراطية والحرية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. صعود الإسلام السياسي *كيف ترون صعود القوى الإسلامية الى السلطة في بلدان الربيع العربي.. ثمة مخاوف من دوائر في الداخل والخارج من هذا الصعود هل ترون أنها تمتلك القدرة على الخروج من الأزمات التي تواجهها هذه البلدان؟ وهل تؤيدون انخراطها في العملية السياسية والانتخابية وفق المعادلات الديمقراطية؟ كانت العلاقة بين الشارع والتيارات الدينية علاقة اجتماعية، خاصة أنه لم يكن مسموحًا لهذه الحركات بممارسة السياسة في الفترات السابقة، حين قامت بنشاط خدماتي، وقدّمت لهم نوعًا من التكافل الاجتماعي، والتضامن المعنوي، لذلك نالت ثقة الجماهير، والآن وبعد هذه الثورات والانتفاضات، دخلت هذه الحركات في العملية السياسية، وحققت نجاحات هامة في هذه المرحلة، والدليل على ذلك، ما حدث في الانتخابات البرلمانية التونسية والمصرية، وأمام هذه الأحزاب الجديدة، والمبنية على مبادئ التضامن المعنوي الإسلامي، والخدمات الاجتماعية أن تترجم نفسها إلى برامج سياسية وتنموية تشمل المجتمع كله، وتعمل من خلال ذلك على إقالة عثرات هذه الدول التي استمرت لعقود، وهي مشاكل كبيرة جدًا خاصة في مصر، وفي الفترة المقبلة سوف يتضح للناخب مدى نجاح هذه الأحزاب الجديدة في حل المشاكل ذات الأولوية الأساسية للمواطن، وإذا استطاعت الأحزاب فعل ذلك، سيصبح لها رصيد من العمل البراغماتي، الذي يؤهلها للنجاح والاستمرار، وهذا من حقها. ولكني من الناحية الأخرى، أرى أنه سيكون للأحزاب الصغيرة في البرلمان في مصر وتونس، فرصة للمنافسة عبر تشكيل التحالفات، بحيث يتغيّر المشهد السياسي على مراحل إلى أن يصل إلى شكل أوضح؛ لأن هناك كثيرًا ممن دخل المجال السياسي الآن لا يعتبر ذا خبرة سياسية داخليًا أو حتى خارجيًا؛ لأنها خبرات تأتي بالممارسة. إشكالية الديمقراطية *إشكالية الديمقراطية في العالم الاسلامي وإجراء اصلاحات سياسية تواجه دومًا بمعوّقات، إما من النخب العسكرية التي تقوم بانقلابات عسكرية أو من نخب سياسية غير مؤمنة بها.. فكيف يمكن مواجهة هذه المعوّقات؟ وما المرتكزات التي ترونها في المنظمة لبناء منظومة ديمقراطية تحظى بالرضا العام والتوافق الوطني؟ موقف المنظمة واضح في هذا الشأن، وهو مستمدّ من برنامج العمل العشري، والميثاق الجديد اللذين يؤكدان على حق الشعوب في الديمقراطية والحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان، ومن خلال هذه المبادئ نصوغ مواقفنا السياسية تجاه التطوّرات التي تشهدها الدول الأعضاء، والتي ربما كان آخرها حركة الانقلاب التي شهدتها مالي، والتي قوبلت بإدانة واضحة وصريحة من قبل الأمانة العامة للمنظمة. على أي حال، أظن أن العالم يسير إلى الأمام، ولا يمكن أن يرتد للوراء، فالظروف تغيّرت، والعالم أصبح قرية صغيرة، لكنها قرية عصيّة لا يمكن التحكُّم بمصيرها، والثورات التي شهدتها بعض الدول الأعضاء تؤكد أن الشعوب أصبحت أكثر نضوجًا، وهي قادرة بالفعل على تحديد أولوياتها، والعمل على تحقيقها. *كيف تعلقون على تصريحات المخرج السينمائي الألماني «جيرت وايلدرز» الأخيرة والذي أخرج فيلم «فتنة»، التي اتهم فيها منظمة التعاون الإسلامي بأنها تحاول الحجر على حرية التعبير في أوروبا، وتهجّمه المتتالي على الإسلام من خلال كتابه الأخير «موسوم بالموت، حرب عليّ، وعلى الغرب»؟ لا أستطيع أن أقول إلا أننا خلال السنوات الماضية عملنا على ألا تتطوّر ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى هذه الصورة، التي يُصبح فيها مروّجو الكراهية ضد الإسلام سياسيين في البرلمانات الأووربية، وللأسف هذه هي النتيجة لحملة من الصور النمطية المشوّهة ضد الإسلام، والتي أساءت لصورة المجتمعات المسلمة في الغرب، ولهذا أؤكد أنه لو كانت حرية التعبير مكفولة بدون حدود، إذن فليحذفوا بندي القذف والإساءة من قانون العقوبات، ولنرَ إلى أين ستؤول الأمور؛ لأن الضوابط التي نادينا بها لا تعدو كونها تهدف للحيلولة دون استثمار مناخات الحرية من أجل توجيه حملةٍ مغلوطة من الكراهية والتشويه لا أكثر.. ومن يقودون حملة الكراهية، للأسف بدأوا يصعدون درجات السلم في سدة الحُكم في أكثر من دولة أوروبية، وهي كما كنت قد أسلفت سابقًا، أنها المرحلة الثالثة والمتقدّمة من حملة (الإسلاموفوبيا) حين يصل مروّجو الكراهية إلى دائرة صناعة القرار، وحينها فقط سيكون من الصعب معالجة الآثار السلبية التي سيتسبب بها هؤلاء.