ما أصعب أن تحرم الفتاة من حق منحها الله إياها، وهو الزواج، إجباراً وليس خياراً، فترى سنوات عمرها تمضي أمام عينيها، دون أن يتحقق حلمها بالزواج. وللأسف أن من بين أسباب ارتفاع حالات "العنوسة" في المجتمع السعودي "العصبية القبلية"، حيث تختلف درجة ارتفاعها من أسرة إلى أخرى، حسب إيمانهم بها، وحسب معتقدات اجتماعية موروثة. قائمة العوانس تقول "سارة سعد" 29 عاماً، إن والدها من المتشددين والمتعصبين، ولا يقبل تزويج بناته ممن يقل عنهم نسباً، مضيفه سوف أنضم قريباً إلى قائمة العوانس رغماً عني، فمنذ عشر سنوات ومعاناتي واحدة، وهي رفض والدي لأي شاب يتقدم لي، وترجع أسباب ذلك إلى أن الشاب المتقدم ليس من قبيلتنا أو ليس من حسبنا ونسبنا، دون أن ينظر والدي لأخلاقه أو دينه، ودون أن يأخذ رأيي بالزواج كأضعف الإيمان، مشيرة إلى أن المعضلة تكمن في كوني امرأة، فأخي متزوج بامرأة من دولة عربية، ولم يقف أحد في وجهه، بل لم تنظر حينها أسرتي إلى مرجع الفتاة وحسبها، لكن عند زواجي تظهر "العنصرية"، وللأسف أنه مع مرور الأعوام قلّت فرصة زواجي، بسبب تقدمي في العمر، بعد أن كانت فرص الاختيار متاحة لي في الماضي بشكل أكبر. معاناة شيماء وتعاني المعلمة "شيماء محمد" 33 عاماً، من تفشي "العصبية القبلية" في أسرتها، حيث حرمت من الزواج، بسبب فرض ولي أمرها زواجها من الأقارب فقط، حالها كحال أخواتها اللاتي تزوجن قبلها، إلا أنها فضلت البقاء دون زواج، على حصرها بالزواج من أبناء العم أو أبناء الخالة، فمن العادات لدى أسرة شيماء، أن البنت لا تتزوج إلا من أقاربها، ويستحيل أن تأخذ برجل خارج العائلة، لاعتقادهم أن الرجل الغريب سوف يهينها ويضيق عليها حياتها، ولضمان مسيرة السلالة والنسب للعائلة ذاتها! خوف من الطلاق! وتؤكد "فدوة محمد" 27 عاماً، رفض والدها لزواجها من شاب تقدم إلى خطبتها مؤخراً، ويأتي سبب الرفض إلى أن منطقة الشاب تختلف عن المنطقة التي يقطنون بها، وبالتالي خوف والدي من تدخل خارجي بين أفراد أسرة الشاب. يجب أن نترفع بمجتمعنا! وتقول "نوف العبيدان" الأخصائية الاجتماعية، إنها لا تنكر أن يكون هناك اختلاف بين مناطق المملكة، من ناحية أمور العادات وأصول التربية، وهذا ما يحدث في البيت الواحد وبين الإخوة الأشقاء، مضيفة أتمنى أن نترفع بمجتمعنا عن هذه الأمور التي باتت تقلق مصير فتياتنا، حيث ارتفاع نسبة العنوسة، والسبب "العصبية القبلية"، إلى جانب المشاكل الأخرى التي قد تولدها "النعرات" من فجوات بين أفراد المجتمع الواحد. موقف طريف ومحزن! واستشهدت "نوف العبيدان" بموقف طريف ومحزن في الوقت ذاته، ففي إحدى المرات كنت أتحدث مع طفلة، وذهلت عندما سألتني أنتِ "قبيلية" أو "خضيرية"؟، فقلت لها لا أعلم الفرق بينهما؟ فسألتها الطفلة التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها، هل تسمي سفينة الصحراء "جمل" أم "ناقة" ؟، فقلت لها "جمل" فقالت أنتِ "خضيرية"، مما استدعاني للضحك،على طريقة استدلال الطفلة للأصول والأحساب، وسألتها كيف عرفتِ فأجابت بأن القبائل تسمي الجمل ناقة!! لم أعد أفكر بالزواج! وكشفت "منى عبدالله" 33 عاماً، أن والدها من الرافضين لزواجها ممن لا يتناسب مع أجدادهم وجماعتهم، مشيرة إلى أنها فقدت الأمل بالزواج، وحلمها بالأمومة تلاشى، وقالت: في السابق كنت أتضايق وأحاول الدفاع عن حقي بالزواج، وسعيت كثيراً عن طريق تدخل أشخاص من خارج العائلة، لينصحوا والدي بعدم التشدد القبلي، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل، مما أنعكس على حالتي باليأس، وعدم التفكير مستقبلاً بالزواج. مرض "عضل البنات" ويؤكد الشيخ "محمد المهوس" أن من الأمراض التي ظهرت جلياً في بعض أفراد مجتمعنا، مرض "عضل البنات" بحجة العصبية القبلية، حيث يؤدي ذلك إلى حرمان الفتاة من حق مشروع لها كالزواج، وإذا تأملنا بشرعنا الحكيم، وجدناه يدعو لقتل العصبية الجاهلية، والعنصرية المقيتة، مستشهداً بقول الله تعالى (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ) وقوله ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وقال صلى الله عليه وسلم"دعوها فإنها منتنة"، فالإسلام ساوى بين الناس وهذا قضاء الله (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا). دعوة المظلوم ويوضح "المهوس" أن العضل ظلم عظيم لهذه البنت الضعيفة، من هذا الولي الجائر، ويوم القيامة ينصب الله جسر الجنة على متن جهنم، ثم يقسم الجبار جل في علاه فيقول: "وعزتي وجلالي لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم"، حتى أن الأنبياء يرددون "اللهم سلم سلم"، فهل عدّ هذا الولي لهذا القسم عدته، وقطعاً لن ينفع حسب ولا نسب من دون الله، متسائلاً أين أنتم من دعوة المظلوم؟! التي ليس بينها وبين الله حجاب، فهل لديكم استعداد لانتظار دعوته، لو أصابتكم في بيوتكم وحياتكم ومصالحكم وذرياتكم. الفتنة والفساد العظيم وأكد "المهوس" أن وصايا الجاهلية التي ورثها بعض أولياء الأمور، لا تستحق أن تقدم على وصية أشرف الخلق نسباً وخلقاً وديناً، حيث قال صلى الله عليه وسلم:"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، ألا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم"، متسائلاً: هل استشعر هؤلاء الظلمة الذين يتعسفون في عضل بناتهن، معنى الفتنة والفساد العظيم، الذي قد يحدث نتيجة القبلية المتعصبة؟.