قد لا نبالغ حين نقول انه وبعد سنوات طويلة من الصراع بين مؤيدي التقليدية ومؤيدي الحداثة في الشعر، فإن الغلبة في نهاية الامر كانت للتقليديين بعد اختفاء أغلب رموز «شعر الحداثة» عن المشهد الشعري، بعد ان فشلوا في اثبات وجودهم واقناع المتلقي بما يقدمونه. سنوات طويلة والساحة الشعرية تعيش صراعات كثيرة بين مؤيدي التقليدية من جهة ومؤيدي الحداثة من الجهة الاخرى، فالتقليديون يرون أن الحداثة دخيلة على الشعر الشعبي، في حين يرى الحداثيون أنهم مجددون في المفردة الشعبية وفي الصور الجمالية للقصيدة. وبغض النظر عن هذا الاختلاف الذي كان من المفترض أنه كان يصب في مصلحة القصيدة، إلا أن هناك من الحداثيين من بالغ كثيراً في الاندماج مع الحداثة إلى درجة اصبحوا يكتبون أبياتاً تحمل صورا وتراكيب لا تدخل العقل ولا يتقبلها المنطق وغير مفهومة، مما دفع التقليديين لاستغلال هذا الامر في صالحهم، واعتبار ذلك أنه «جنون الحداثة» الذي من المستحيل ان يتم قبوله. وفي الحقيقة ان التجديد في المفردة الشعبية والتراكيب والصور الجمالية في القصيدة أمر محبب ويطور من القصيدة، ولكن ليس بالشكل الذي كان يقوم به مناصرو الحداثة في تلك الأيام حين تعمقوا أكثر مما يجب حتى وصلوا إلى درجة مبالغ فيها بل خرجت عن حدود العقل والمنطق في أحيان كثيرة. واللافت هنا ان هناك شعراء قاموا بالربط بين التقليدية والحداثة بشكل جميل وبدون مبالغة استطاعوا كسب رضا المتابعين وأن يشكلوا بالفعل إضافة شعرية جميلة، وهو ما يجب أن يقتدي به الشعراء الشباب خصوصاً الذي ما زالوا يرون في الحداثة بوابتهم للظهور. الحديث عن قصة «صراع التقليدية والحداثة» يطول، ولكن الأكيد أن أغلب الحداثيين قد اختفوا عن الساحة الشعرية بعد أن فشلوا في اثبات وجودهم واقناع المتلقي بما لديهم بعد أن كانوا يرددون كلمتهم الشهيرة «جميل، جميل،..... جميل».