من لندن، عاصمة السياسة والاقتصاد الأولى في العالم، اليوم ختام ثلاثة أيام من زيارة مهمّة للغاية قام بها أمير الرؤية المتجددة، محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، وجدنا خلالها كسعوديين- المعنى المتفرِّد لمعادلة القيمة والقامة، بكل تداخلاتها وتشعباتها ومقدماتها وصولاً إلى نتائجها. ربما كان نموذج محمد بن سلمان وحده، في هرم القيادة السعودية كافياً لقلب المعادلات التقليدية، وكفيلاً بمزيد نحو المستقبل، ليس لأنه يمثل «الطاقة الشبابية» في تجربة الحكم فقط، ولكن لما يمثله من وعي شديد، وفكرٍ طموح، وإرادة غير مسبوقة تلفت الأنظار حولها حينما حلت وأينما ارتحلت. ليس أيضاً لأنه يمثل ثقلاً سياسياً لدولة رائدة وقائدة في منطقة مليئة بالتناقضات، ولكن لأنه حتى في هذه المنطقة يؤصل جيلاً جديداً ومعاصراً يعي مفردات عصره، وقبلها احتياجات مجتمعه، بمثل ما يحمل تطلعات وأحلام شعبه ومواطنيه.. أي أنه يمثل في النهاية رمانة ميزان ومفتاح أمان يؤسسان ضمانة لحالة اطمئنان غير عادية. لذا، كان الاستقبال البريطاني المهيب في عاصمة الضباب البريطانية من قبل الملكة وولي عهدها ورئيسة وزرائها، لا يقل أهمية عن الاستقبال الحار الذي وجده في القاهرة محطته الأولى في جولته الخارجية الأولى- ومعبراً عن الثقل السعودي إقليمياً وعالمياً، وبشكل يدحض كل الافتراءات والمحاولات الرخيصة المعروفة، مُعلنة كانت أو غير معلنة.. فالتفاصيل وحدها كفيلة بالرد المُخرس. بعيداً عن مصطلح «العلاقات التاريخية» المألوف، والسعي لتجذيرها بشكل يهم مصالح البلدين والشعبين الصديقين عبر ما تم من توافقات أو اتفاقات سياسية واقتصادية، إلا أنني أرى أن الرسائل الناتجة عن الزيارة تؤسس لما هو أبعد أثراً وأكثر عطاءً، ذلك أن استهداف جولة سمو ولي العهد لعواصم رئيسية لها ثقلها الإقليمي والدولي (القاهرة، لندن) يعني مبدئياً أنه عندما يلتقي «الكبار» فإنهم لا يلتفتون للصغار أو الصغائر وما أكثرها وأن المملكة الرائدة و«القائدة» تتحسس خطواتها باستقراء التاريخ ومعطيات مصالح السياسة والاقتصاد والرؤى التي تحقق لشعبها في المقام الأول وسائل استقراره وسلامة أرضه.. بكل تكافؤ وندِّية. ومراجعة بسيطة لملفات النقاش السعودي البريطاني وبهذا الشكل على أعلى المستويات، وما شملته من محاور أوضاع المنطقة في الشرق الأوسط، وتحقيق الأمن والاستقرار، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة التطرف، إضافة لدعم العلاقات الثنائية، ورؤية 2030 المستقبلية، والشراكة الاستراتيجية في مجالات التجارة والاستثمار والتعليم والصحة والثقافة والإعلام والدفاع والأمن، تكشف لنا أننا لسنا أمام مجرد زيارة بروتوكولية، ولكننا أمام حافز جديد للشراكة بين المملكة كقوة إقليمية وعربية وإسلامية، وبين بريطانيا كقوة نافذة دولية. ماذا يعني ذلك؟ يعني- ببساطة- أن المملكة عندما تؤسس لتطوير علاقاتها فإنها تستهدف تعزيز محاور قوتها ونفوذها، بعيداً عن المجاملة السياسية أو بحثاً عن مجرد الأضواء والفرقعات المظهرية.. يعني- أيضاً- أننا أمام متغير سعودي جديد وواضح الملامح، يستقي أبجدياته من قائد الحزم والعزم، وهذه وحدها رسالة بعيدة المدى لمن يريد أن يفهم، أو يعي.!