أكد المعارض السوري الدكتور برهان غليون أنه من المستحيل أن يقبل السوريون بوجود إيراني في أي تسوية محتملة. وشدد على عدم وجود بوادر تسوية تلوح في الأفق في سوريا. مؤكدا أن ما تحاوله روسيا ليس تسوية سياسية، ولكنه فرض للأمر الواقع بالقوة والقصف الأعمى، حيث لن تنجح في مسعاها. ونوه غليون إلى أن أمريكا وبالتالي إسرائيل، ليستا في وارد الإسراع في البحث عن تسوية للأزمة السورية. حيث يمثل الوضع الراهن الذي يقع بين الحرب والتهدئة أو يجمع بينهما حلا مثاليا لمصالحهما الاستراتيجية. وأشار غليون إلى مقاومة وكفاح الشعب السوري التي لن تتوقف وصولا لتحقيق أهدافه. «اليوم»: سبع سنوات تفصل بين انطلاق المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام الأسد وبين مؤتمر سوتشي.. كيف تقيم هذه التحولات التي جرت على الساحة السورية؟ غليون: هي تحولات كارثية بالتأكيد، إلا أنني لا أعتقد أنه كان لدى السوريين طريقة أخرى للخلاص من الأسد ونظامه الإجرامي، فهو الذي دفعهم إلى الثورة والقبول بأقسى التضحيات للخلاص من نظام امتهن المجازر والقمع وإذلال الشعب وكل فرد، ومن أجل استعادة حريتهم وكرامتهم المهدورة منذ نصف قرن، لكن تضحيات السوريين لن تذهب سدى، ولن يستتب الحال إلا بزوال النظام وقيام حكم يحترم حقوق السوريين ويعمل على خدمتهم لا على استعبادهم. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح والحق أقوى. كثيرة هي الأسباب التي أفشلت الثورة السورية وتحولها إلى حرب مسلحة يقودها أشخاص ينتمون إلى تيارات إسلامية متشددة، لماذا جرى ذلك ومن المسؤول، وما حجم المسؤولية الأمريكية؟ من المبكر أن نقول إن الثورة السورية فشلت، فلا تزال مقاومة الشعب السوري قوية وباسلة ضد من يريد تقويض جهوده لإقامة حكم ديمقراطي يلبي تطلعاته. ولن يتوقف الصراع قبل أن يحقق السوريون مطالبهم. أما عن الكارثة التي حلت بسوريا والسوريين، أعني سياسات الإبادة الجماعية وحرق الأرض تحت أقدام المدنيين لإجبارهم على الخضوع لنظام الجريمة المنظمة أو الهجرة، وتشتيت المجتمع وكسر إرادته، وتدمير مدنه وقراه، وإطلاق المنظمات الإرهابية لخلط الأوراق وتبرير الحرب الهمجية التي شنت عليه، فهي مسؤولية النظام وحلفائه بالدرجة الأولى، وخيانة المجتمع الدولي لتعهداته ومواثيقه الانسانية والسياسية التي قامت عليها منظمة الأممالمتحدة. وبالدرجة الثالثة ضعف بنية المعارضة الناجم عن تحطيم المجتمع المدني السوري خلال نصف قرن من أحكام الطوارئ والاغتيال السياسي لشعب كامل، واستباحة منظمات المجتمع، وتحويل الدولة إلى أداة لصناعة العبودية وتركيع الشعب عوض أن تكون الضامنة لحرياته وحقوقه وحكم القانون، هذا ما يحصل عند ما تنقلب الدولة، التي تتلخص وظيفتها بحماية المجتمع والحفاظ على القانون ومصالح الناس وأداة إنجازه ومراكمة مكتسباته الحضارية والمدنية على المجتمع وتتحول إلى كلب حراسة للقلة الحاكمة الفاسدة والمفترسة. لماذا برأيك هذا التواطؤ الدولي مع نظام دمر بلدا بأكمله وهجر أكثر من نصف سكانه، أين مصلحة الأوروبيين وأمريكاوروسيا من تدمير سوريا وتهجير شعبها؟ ليس الأوروبيون هم الذين حالوا دون إيجاد حل سريع للمحنة السورية، وإنما الدول التي كانت لها مصلحة مباشرة واستراتيجية في تدمير سوريا ودفعها نحو الفوضى للتخلص منها أو لاختراقها ومد نفوذها إليها بشكل أكبر. وأهم هذه الدول إسرائيل التي لم تكن تحلم بحرب تقضي فيها على خصم محتمل في المنطقة، وتربح حربا استراتيجية ضد بلد عدو من دون أن تفقد جنديا واحدا. وهذا الاعتبار ذاته هو الذي أملى على واشنطن موقفها المتحفظ ثم المتجاهل كليا للمأساة السورية قبل أن يتخلى عن السوريين في صفقة الملف النووي مع طهران. والدولة الثالثة ايران التي وقفت وراء النظام وحثته على التماسك في وجه الثورة الشعبية وقدمت له كل ما يحتاجه من مال وسلاح ورجال كي يستمر في الحرب حتى الانتصار. أما الدولة الرابعة فهي روسيا التي وجدت في الأزمة السورية فرصتها التي لا تفوت من أجل الانتقام لنفسها من غدر الغربيين بها في العراق وليبيا وإخراجها من البلدين الذين كانا قريبين منها، والحصول على منصة تستعيد من خلالها مكانتها الدولية التي فقدتها مع انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. روسيا دخلت سوريا وقلبت موازين القوى لمصلحة النظام وإيران، برأيك أين الدور الإسرائيلي في التدخل الروسي والوجود الإيراني وماذا يخطط لمستقبل سوريا؟ الدور الاسرائيلي هو الأبرز في توجيه الأحداث السورية بالرغم من أنه الأقل ظهورا. فهي التي تركت ايران وميليشياتها تتدخل من دون أدنى رد فعل، وشجعتها وحزب الله على التدخل لتمديد أجل الحرب. وهي تقف من دون شك وراء تشجيع واشنطن على عدم التدخل أو السعي لوضع حد للحرب الايرانية ، وروسيا لا تقوم بأي خطوة في سوريا من دون التنسيق مع الحكومة الاسرائيلية. وفي جميع الأحوال لم تخف إسرائيل في أي وقت سرورها بما يحصل في سوريا. ولا يغير من ذلك أنها تستغل الأزمة السورية للقضاء على الاسلحة الاستراتيجية في سوريا وعلى مواقع استراتيجية للميليشيات الايرانية. إسرائيل تريد حزاما طائفيا إيرانيا على حدودها الشمالية من خلال وجود الميليشيات والتغيير الديموغرافي.. هل تعي المعارضة وقادتها ذلك؟ إسرائيل لم تعمل على إنشاء حزام طائفي إيراني حولها، ولكنها استخدمت الأطماع الإيرانية في السيطرة على سوريا وتشكيل امبرطورية الهلال الشيعي كما سمته، من أجل تسعير الحرب بين العرب والإيرانيين وإطالة أمد الحرب وبالتالي القتل والدمار والقطيعة والعداء المتبادل داخل صفوف ما تسميه أعداءها. والآن، بعد أن خرجت سوريا من المعركة لعقدين على الأقل، تعمل إسرائيل بالتنسيق مع واشنطن من أجل تعبئة العرب في حرب مستمرة مع إيران لاحتواء نفوذها وإخراج ميليشياتها من سورياوالعراق. فبعد أن حققت أهدافها الأولى بترك طهران تتقدم في سوريا، تسعى اليوم إلى تحقيق أهداف إضافية، في مقدمها تقويض إيران الخامنئية ذاتها، في حرب احتواء إيران وإخراجها من المناطق التي احتلتها. هل سيقبل السوريون (قيادة المعارضة الحالية السياسية والعسكرية)، حلاً سياسيا مع وجود الأسد وميليشيات إيران، وهل يمكن أن نشهد سوريا جديدة كما العراق تدار من طهران؟ من المستحيل أن يقبل السوريون بوجود إيراني في أي تسوية محتملة، وعلى العموم ليس في الأفق بوادر تسوية في سوريا. ما تحاوله روسيا ليس تسوية ولكنه فرض الأمر الواقع بالقوة والقصف الأعمى، ولكنها لن تنجح. أما واشنطن وبالتالي إسرائيل، فليستا في وارد الإسراع في البحث عن تسوية. الوضع الراهن الذي يقع بين الحرب والتهدئة أو يجمع بينهما هو الحل المثالي لمصالحهما الاستراتيجية. لن تكون سوريا مثل العراق لكن أحدا لا يعرف بعد كيف ستكون. هناك شعب لن يتوقف عن المقاومة والكفاح من أجل تحقيق أهدافه، وهو يتعلم كل يوم ويكتسب الخبرة السياسية والعسكرية والإعلامية التي كان يفتقدها، ومجموعة من الذئاب التي تنهش بجسده وتسعى إلى تقاسم المصالح على حسابه. والمعركة لا تزال طويلة قبل أن تظهر النتيجة. هل تعتقد أن الصراع في أو على سوريا سيستمر طويلاً، حتى لو استطاعت موسكو فرض حل سياسي؟ لن تستطيع موسكو فرض الحل السياسي الذي تطمح إليه، ولن تنجح في جر الأممالمتحدة والدول الغربية والمعارضة إلى مؤتمر سوتشي لتفرض الحل الذي يناسبها، وسوف ترضخ لحقيقة أنها لن تستطيع أن تخرج من خطر السقوط في مستنقع وورطة كبيرة في سوريا من دون أن تعيد النظر في رؤيتها للوضع، وخفض سقف توقعاتها وتوقعات حلفائها. روسيا ليست القوة التي تستطيع أن تفرض حلها في سوريا على الشعب السوري ولا على الدول الغربية. برأيك، هل من الممكن أن يعود الاستقرار إلى المنطقة، ولماذا أريد لها ذلك؟ لا الأزمة السورية ولا الربيع العربي هو السبب في تقويض الاستقرار في المنطقة. بالعكس أزمة المنطقة العميقة على كل الأصعدة، الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية هي التي أطلقت الثورات وأشعلتها. وهذه الأزمة الإقليمية المديدة هي ثمرة الفشل الكبير في توصل بلدانها إلى أي تفاهمات إقليمية، وأولها البلدان العربية التابعة لجامعة عربية واحدة، وفشل الإقلاع الاقتصادي نتيجة فساد الأنظمة وبؤس طبقاتها الحاكمة وانعدام حس المسؤولية عندها، وهو كذلك ثمرة فشل الأنظمة الاستبدادية في التغير والإصلاح والانفتاح على الطبقات الوسطى النامية والصاعدة، ولم يرد لها أحد ذلك لكنها أرادته لنفسها، أما الدول الكبرى فقد استغلت هذا البؤس العربي وبنت عليه وعززته لتحقيق أهدافها. الأصل هو هشاشة دولنا ومؤسساتنا وأوضاعنا السياسية وتفكيرنا. المسعف سليم ينظر إلى منزل والدته التي قضت أثناء قصف على الغوطة (أ ف ب) غليون: تضحيات السوريين لن تذهب سدى قال المعارض السوري د. برهان غليون: إن تضحيات السوريين لن تذهب سدى، مشددا على أن الحال لن يستتب إلا بزوال نظام بشار الأسد المجرم، وقيام حكم يحترم حقوق الشعب السوري، ويعمل على خدمتهم لا على استعبادهم. ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح والحق أقوى. وأكد د. غليون أن روسيا لن تستطيع فرض الحل السياسي الذي تطمح إليه، ولن تنجح في جر الأممالمتحدة والغرب والمعارضة إلى «سوتشي» لتفرض ما يناسبها، مؤكدا أنها سترضخ لحقيقة كونها لن تستطيع أن تخرج من خطر السقوط في مستنقع وورطة كبيرة من دون أن تعيد النظر في رؤيتها للوضع، وخفض سقف توقعاتها وحلفائها. برهان غليون: * بدأ مسيرته الجامعية كمدرس ومدير للأبحاث في جامعة السوربون الجديدة. * حاصل على الدكتوراة في علم الاجتماع السياسي من جامعة باريس. * تعاون مع العديد من مراكز البحث العالمية والعربية. * ساهم مع مثقفين وأكاديميين عرب في تأسيس «المنظمة العربية لحقوق الإنسان». * شارك في تشكيل تجمع إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي. * عند اندلاع الثورة برز اسمه كأحد أبرز المرشحين لقيادة المعارضة السورية. * اختير أول رئيس للمجلس الوطني السوري، الذي جمع تحت لوائه أوسع فئات المعارضة.